إن الأشرار ممن سمينا، وألوفا كثيرة من أمثالهم، قد أبغضوا من صميم قلوبهم أصحاب محمد ﷺ وأحبابه وأعوانه على الحق، لأنهم أطفأوا نار المجوسية إلى الأبد، وأدخلوا إيران في نطاق دولة الإسلام، وأقاموا المسجد الأقصى على أنقاض الهيكل. فهذا (الذنب) الذي ارتكبه نحو المجوسية واليهودية أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ويزيد ومعاوية ابنا أبي سفيان، وسائر إخوانهم من الفاتحين والصالحين، لن ينساه لهم مبغضوهم من اليهود والمجوس. وقد قاوم أسلافهم زحف الإسلام وامتداد رسالته بأسلحتهم ودسائسهم جيشا لجيش، وجهادا لجهاد، ومعركة بعد معركة، حتى هزمهم الله في كل موقف، وخذلهم في كل ملحمة. فباتوا ينتظرون الفرص السانحة، ويترقبون للمسلمين الأولين ما يترقبه المبطلون لأهل الحق في كل زمان ومكان. فلما لم ينالوا منهم شيئا، وطالت عليهم خلافة أمير المؤمنين عمر، واتسعت الفتوح في زمنه، وانتشرت كلمة الإسلام في آفاق مترامية الأطراف، تآمروا حينئذ على سفك دم عمر وهو حمو رسول الله أبو أم المؤمنين حفصة، وصهر علي بن أبي طالب زوج بنته أم كلثوم الكبرى التي ولدت له ابنه زيدا وبنته رقية، وأم كلثوم بنت علي هي التي كانت في بيت أمير المؤمنين عمر لما تآمر على قتله الهرمزان وأبو لؤلؤة وغيرهما. ولا يزال الشيعة إلى اليوم مسرورين بما ساء عليا وبنته أم كلثوم وسائر أهل البيت من سفك دم أعدل من حكم في الأرض بعد محمد ﷺ وصاحبه في الغار المجاور لهما في المدفن النبوي الطاهر جوارا لا ينقطع في الدنيا ولا الآخرة. وقد ظن المجوس الذين قتلوا عمر أنهم قد قتلوا الإسلام بقتله، ولكنهم ما لبثوا أن علموا أنهم باءوا من هذه بمثل الذي باءوا به من تلك، وحفظ الله رسالته، وحاط دعوة الحق بعين عنايته وجميل رعايته، وعادت جيوش الإسلام في خلافة ذي النورين توغل فيما وراء إيران، وتفتح لكلمة الله آفاقا أخرى متجاوزة الحد المنيع الذي كانوا يسمونه «باب الأبواب»، فلم تكن على وج الأرض يومئذ - ولا في العصر التالية إلى يوم القيامة - رايات تخفق بالنصر والعدل والرحمة كهذه الرايات النيرة الظافرة.
مقدمة / 5