فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أحسنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟
فَالْجَوَابُ: أنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يفسَّر الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ، فَمَا أُجمل فِي مكانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسّر فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ أَعْيَاكَ ذَلِكَ فَعَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وموضحة له قال تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أَلَا إِنِّي أوتيتُ القرآنَ ومثلَه مَعَهُ» يعني السنّة المطهرة.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن، فإن لم تجده فمن السنّة، وإذا لَمْ نَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا، وَلِمَا لَهُمْ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ، وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا سيّما علماؤهم وكبروؤهم كالخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود، فقد قال ابْنَ مَسْعُودٍ: «وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ، وَأَيْنَ نَزَلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أحدا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَنَالُهُ الْمَطَايَا لَأَتَيْتُهُ» (رواه ابن جرير الطبري عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ)
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: «حدَّثنا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْرِئُونَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وكانوا إِذَا تَعَلَّمُوا عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَخْلُفُوهَا حَتَّى يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَمَلِ، فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ والعمل جميعا»
ومنهم (عبد الله بن عباس) الحبرُ البحرُ، ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وترجُمانُ القرآن ببركة دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَهُ حَيْثُ قَالَ: «اللهمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وعلمه التأويل».
وقد قال عبد الله بن مسعود: «نعم ترجمان القرآن ابنُ عباس».
وَقَدْ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وعُمِّر بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا كَسَبَهُ مِنَ الْعُلُومِ بَعْدَ ابْنِ مسعود؟
ولهذا غالب ما يرويه (السُّدي) الكبير في تفسيره عن هذين الرجيلين (ابن مسعود) و(ابن عَبَّاسٍ) ولكنْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَنْقُلُ عَنْهُمْ مَا يَحْكُونَهُ مِنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، الَّتِي أَبَاحَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَيْثُ قَالَ «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ)
ولكنَّ هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر اللإستشهاد لا للإعتضاد، وهي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ فَذَاكَ صحيح
والثاني: ما علمنا كذبه مّما عندنا مما يخالفه فذاك مردود.
وَالثَّالِثُ: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَغَالِبُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ تعود إلى أمرٍ ديني.
1 / 12