Краткое толкование Ибн Касира

Мухаммад Али Сабуни d. 1450 AH
42

Краткое толкование Ибн Касира

مختصر تفسير ابن كثير

Издатель

دار القرآن الكريم

Номер издания

السابعة

Год публикации

١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م

Место издания

بيروت - لبنان

Жанры

- ٤٤ - أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب أَفَلاَ تعقلون معناه: كَيْفَ يَلِيقُ بِكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ - وَهُوَ جِمَاعُ الْخَيْرِ - أن تنسوا أنفسكم فلا تأتمرون بِمَا تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِهِ، وَأَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ تَتْلُونَ الْكِتَابَ وَتَعْلَمُونَ مَا فِيهِ عَلَى مَنْ قصَّر فِي أَوَامِرِ اللَّهِ؟ ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ بِأَنْفُسِكُمْ، فَتَنْتَبِهُوا مِنْ رَقْدَتِكُمْ، وَتَتَبَصَّرُوا من عمايتكم؟ وهذا كما قال قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم﴾ قال: كان بنوا إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله، وبتقواه ويخالفون، فعيَّرهم الله ﷿. وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أَيْ تَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ تَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ الْكُفْرِ بِمَا عِنْدَكُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْعَهْدِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ وَأَنْتُمْ تكفرون بما فيه مِنْ عَهْدِي إِلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي، وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَقُولُ أَتَأْمَرُونَ النَّاسَ بِالدُّخُولِ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ. قال أبو الدرداء ﵁: لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَمْقُتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا، وَقَالَ عَبْدُ الرحمن بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ إذا جاء الرجل سألهم عَنِ الشَّيْءِ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ وَلَا رِشْوَةٌ أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾؟ والغرضُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذمَّهم عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ، ونبَّههم عَلَى خَطَئِهِمْ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِالْخَيْرِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَمُّهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ بِالْبِرِّ مَعَ تَرْكِهِمْ لَهُ، بَلْ عَلَى تَرْكِهِمْ لَهُ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْعَالِمِ، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أَمْرِهِمْ بِهِ، وَلَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ شعيب ﵇: ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ. إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾. فكلٌّ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِعْلِهِ واجبٌ، لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِتَرْكِ الْآخَرِ، عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي لَا يَنْهَى غَيْرَهُ عَنْهَا، وهذا ضعيف. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَالِمَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنِ ارْتَكَبَهُ، قَالَ سعيد بن جبير: لَوْ كَانَ الْمَرْءُ لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مَا أَمَرَ أحدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَا نَهَى عن منكر. (قلت) لكنه وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَذْمُومٌ عَلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ وَفِعْلِهِ المعصية، لعلمه بها مخالفته عَلَى بَصِيرَةٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ⦗٦٠⦘ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ، وَلِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الْوَعِيدِ على ذلك كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَل الْعَالِمِ الَّذِي يعلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويحرق نفسه (رواه الطبراني في الكبير، قال ابن كثير؛ وهو غريب من هذا الوجه)» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مررت ليلة أسري بي على قوم تُقْرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خطباء أمتك مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، مِمَّنْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يعقلون" (رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنَس بن مالك)، وقال ﷺ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ بِهِ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ بِهَا فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَا أَصَابَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المنكر وآتيه» (رواه الإمام أحمد ورواه البخاري ومسلم بنحوه)، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّهُ يَغْفِرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعِينَ مَرَّةً، حَتَّى يَغْفِرَ لِلْعَالِمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب﴾، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطَّلِعُونَ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيَقُولُونَ بِمَ دَخَلْتُمُ النَّارَ؟ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ إِلَّا بِمَا تعلَّمنا مِنْكُمْ، فَيَقُولُونَ: إِنَّا كُنَّا نَقُولُ ولا نفعل" (رواه ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبة) وجاء رجُل إلى ابن عباس فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: إِنِّي أُريد أَنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: أبلغْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْجُو، قَالَ: إِنْ لَمْ تَخْشَ أَنْ تُفْتَضَحَ بِثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فافعل، قال: وما هن؟ قال: قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أَحْكَمْتَ هَذِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَالْحَرْفُ الثَّانِي، قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ؟ كَبُرَ مَقْتًا عن الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ أَحْكَمْتَ هَذِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَالْحَرْفُ الثَّالِثُ، قَالَ: قَوْلُ الْعَبْدِ الصَّالِحِ شُعَيْبٍ ﵇: ﴿وَمَآ أُريد أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح﴾ أحمكت هَذِهِ الْآيَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ (رواه الضحاك عن ابن عباس) وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنِّي لِأَكْرَهُ الْقَصَصَ لِثَلَاثِ آيَاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾، وَقَوْلُهُ إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ: ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عنه﴾.

1 / 59