الوظيفة الثانية: الإسرار بإخراجهالكونه أبعد من الرياء والسمعة، وفى الإظهار إذلال للفقير أيضًا، فان خاف أن يتهم بعدم الإخراج أعطى من لا يبالى من الفقراء بالأخذ بين الجماعة علانية، وأعطى غيره سرًا.
الوظيفة الثالثة: أن لا يفسدها المن والأذى، وذلك أن الإنسان إذا رأى نفسه محسنًا إلى الفقير، منعمًا بالإعطاء، ربما حصل منه ذلك، ولو حقق النظر لرأى الفقير محسنًا إليه بقبول حق الله الذي هو طهرة له.
وإذا استحضر مع ذلك أن إخراجه للزكاة شكر لنعمة المال، فلا يبقى بينه وبين الفقير معاملة. ولا ينبغي أن يحتقر الفقير لفقره، لأن الفضل ليس بالمال ولا النقص بعدمه.
الوظيفة الرابعة: أن يستصغر العطية، فإن المستعظم للفعل معجب به. وقد قيل: لا يتم المعروف إلا بثلاث: بتصغيره، وتعجيله، وستره.
الوظيفة الخامسة: أن ينتقى من ماله أحله وأجوده وأحبه إليه، أما الحل، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا. وأما الأجود. فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧].
وينبغى أن يلاحظ في ذلك أمرين: أحدهما: حق الله ﷾ بالتعظيم له، فانه أحق من اختير له، ولو أن الإنسان قدم إلى ضيفه طعامًا رديئًا لأوغر صدره.
والثاني: حق نفسه، فإن الذي يقدمه هو الذي يلقاه غدًا في القيامة، فينبغي أن يختار الأجود لنفسه.
وأما أحبه إليه، فلقوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢].
وكان ابن عمر رضى الله عنهما إذا اشتد حبه لشيء من ماله قربه لله ﷿ وروى: أنه نزل الجحفة وهو شاك، فقال: إني لأشتهى حيتانًا، فالتمسوا له فلم يجدوا حوتا، فأخذته امرأته فصنعته ثم قربته إليه، فأتى بمسكين، فقال ابن عمر رضى الله عنه: خذه، فقال له أهله سبحان الله، قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه، فقال: إن عبد الله يحبه.
1 / 38