298

Краткий путь стремящихся

مختصر منهاج القاصدين

Редактор

شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط

Издатель

مكتبة دار البيان

Год публикации

1398 AH

Место издания

دمشق

Жанры

Суфизм
الإيمان، وقل أن ينفع مع خبث القلب وسوء أخلاقه، كما لا ينمو البذر في الأرض السبخة.
فينبغي أن يقاس رجاء العبد المغفرة برجاء صاحب الزرع، فكل من طلب أرضًا طيبة، وألقى فيها بذرًا جيدًا غير مسوس ولا عفن، ثم ساق إليها الماء في أوقات الحاجة، ونقَّى الأرض من الشوك والحشيش وما يفسد الزرع، ثم جلس ينتظر من فضل الله تعالى دفع الصواعق والآفات المفسدة، إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته، فهذا يسمى انتظاره رجاء.
فأما إن بذر في أرض سبخة صلبة مرتفعة لا يصل إليها الماء ولم يتعاهدها أصلًا، ثم انتظر الحصاد، فهذا يسمى انتظاره حمقًا وغرورًا، لا رجاء.
وإن بث البذر في أرض طيبة، ولكن لا ماء لها، وأخذ ينتظر مياه الأمطار، سمى انتظاره تمنيًا لا رجاء.
فإذن اسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس إلى اختياره، وهو فضل الله سبحانه، بصرف الموانع المفسدات، فالعبد إذا بث بذر الإيمان، وسقاه ماء الطاعات، وطهر القلب من شوك الأخلاق الرديئة، وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت، وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره لذلك رجاءً محمودًا باعثًا على المواظبة على الطاعات والقيام بمقتضى الإيمان إلى الموت، وإن قطع بذر الإيمان عن تعهده بماء الطاعات أو ترك القلب مشحونًا برذائل الأخلاق، وانهمك في طلب لذات الدنيا، ثم انتظر المغفرة، كان ذك حمقًا وغرورًا. قال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٦٩] وذم القائل: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٦].
وروى شداد بن أوس، قال: قال رسول الله ﵌: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ﷿ الأماني" (١).
وقال معروف الكرخى ﵀: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه خذلان وحمق. ولذلك

(١) أخرجه الترمذي (٢٤٦١) وأحمد ٤/ ١٢٤، وابن ماجة (٤٢٦٠) وفي سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني وهو ضعيف كان قد سرق بيته، فاختلط، وأخرجه الحاكم ١/ ٥٧، وصححه على شرط البخاري، فتعقبه الذهبي بقوله: لا والله أبو بكر واه.

1 / 298