المعرفة توجب حبس اللسان عن الكلام فيما لا يعنى، لأنه من ترك الله تعالى واشتغل فيما لا يعنى، كان كمن قدر على أخذ جوهرة، فأخذ عوضها مدرة، وهذا خسران العمر.
وفى الحديث الصحيح، أن النبي ﵌ قال: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعينه".
وقيل للقمان الحكيم: ما بلغ من حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كفيته، ولا أتكلم بما لا يعنيني.
وقد روى أنه دخل على دواء ﵇ وهو يسرد درعًا، فجعل يتعجب مما رأى، فأراد أن يسأله عن ذلك، فمنعته حكمته فأمسك، فلما فرغ داود ﵇، قام ولبس الدرع ثم قال: نعم الدرع للحرب. فقال لقمان: الصمت حكم وقليل فاعله.
الآفة الثانية: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي، كذكر مجالس الخمر، ومقامات الفساق.
وأنواع الباطل كثيرة. وعن أبى هريرة، عن النبي ﵌ قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب،. وقريب من ذلك الجدال والمراء وهو كثرة الملاحاة (١) للشخص لبيان غلطة وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع.
فينبغي للإنسان أن ينكر المنكر من القول، ويبين الصواب، فإن قبل منه وإلا ترك المماراة، هذا إذا كان الأمر معلقًا بالدين، فأما إذا كان في أمور الدنيا، فلا وجه للمجادلة فيه، وعلاج هذه الآفة بكسر الكبر الباعث على إظهار الفضل، وأعظم من المراء الخصومة، فإنها أمر زائد على المراء.
وعن النبي ﵌ أنه قال: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم". وهذه الخصومة نعنى بها الخصومة بالباطل أو بغير علم، فأما من له حق فالأولى أن يصدف (٢) عن الخصومة، مهما أمكن لأنها، توغر الصدر، وتهيج الغضب الغضب،