Избранные английские рассказы
مختارات من القصص الإنجليزي
Жанры
وكانت لندن هي المدينة الوحيدة التي يستطيع أن يعيش فيها، لأنها المكان الوحيد الذي يسعه أن يستخفي فيه وهو مطمئن آمن، فقصد إليها، واحتاج إلى زمن غير قصير ليتعلم فن مكافحة الجوع بأيسر مقدار من المال. وقد بلغ من سوء حاله في أول عهده بهذه المحنة، ومن عض الجوع وذل الفاقة، أن اضطر أن يغالب كبرياءه فكتب إلى صاحب له يستشيره ويستعينه، وليس يعرف عبث النصح وإن حسنت فيه النية، وقلة جدوى الجاه الاجتماعي، إلا من كان في مثل موقف المستر تمبرلي وحاله. ولو أنه استجدى مالا لتلقى شيئا مشفوعا بكلمات العطف، غير أن المستر تمبرلي ما كان يستطيع أن يحمل نفسه على هذا.
وحاول أن ينتفع بما كان يتسلى به قديما من زخرفة الخشب، ونجح إلى حد ما، فربح في ستة شهور نصف جنيه! ولكن الأمل في اكتساب جنيه في العام يضيفه إلى دخله الضئيل لم يكن من شأنه أن يشجعه ويحضه على المثابرة!
وكان في ذلك الحين يعيش في عزلة تامة. والفقر أقوى ما زهد في الاختلاط ورغب في الاعتزال والوحدة، إلا إذا كان المرء قد ولد وشب في أحضان الفاقة. وليس يسع الرجل المرهف الحس حين يلفى أنه قد صار أدنى من أقرانه منزلة، إلا أن يلوذ بالوحدة، وما أسرع ما يتبين أن الناس لا يجدون عسرا أو عناء في نسيانه. وقد كانت لندن، وما زالت، غاصة بالزهاد والمعتزلة، برضاهم أو كرههم، وكان المستر تمبرلي، كلما ذهب يجوب الشوارع أو الحدائق، أو يزجي الوقت في المتاحف (التي لا يؤدي داخلها شيئا) لا يزال يلتقي بمن يفطن إلى أنهم نظراؤه وإخوانه في الاعتزال، وكان يفهم النظرة المخالسة حين تلتقي بنظرته، ويقرأ صفحة الوجه المقطب، ويلاحظ الثياب اللبيسة بعطف. وليس بين هذه الخلائق المستخفية المتسللة بث متبادل، وما منهم إلا من يود أن يقول بشجوه، ولكن الكبرياء تصده وتكبحه، فيمضي في طريقه صامتا مستفردا حتى يجد نفسه آخر الأمر - لحسن الحظ - في مستشفى أو ملجأ، فتنحل عقدة اللسان الممتسك ويقول القلب الكليم الموجع بعتبه على الدنيا.
ويحذق من هذا حاله دروسا كثيرة لم تكن له في حساب، فيتعلم أساليب عجيبة للاقتصاد والتدبير، ويزهي بأن يتبين أن المسكة من الرزق حسب المقل ليعيش بها، وقد كان المستر تمبرلي في أيام خفضه ويساره، خليقا أن يجزم بأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بأقل من كذا وكذا، فلما أعسر عرف أن الرجل يقدر أن يعيش بقروش قليلة في اليوم. وصار يعرف أثمان المآكل، وتعلم المزايا النسبية للأطعمة، والخصائص الغذائية المختلفة لكل منها، واضطره الشظف أن يكون نباتيا فوجد أن الطعام من النبات أصح له، فجعل يلقي على نفسه خطبا ساخرة بآكلي اللحوم، ويحاضرها في مضار القرم، وآلى مكرها ألا يذوق خمرا، واشتاق أن يعتلي منبرا من منابر الدعاة إلى نبذ الخمر، وأن يؤدي من فوقه الشهادة. وفي هذا كله عزاء، وإن فيه لعوضا عن فقد كثير من ضروب الاحترام الذاتي.
واتفق يوما أن كان يهم بأن يقبض من بنك إنجلترا المبلغ الزهيد الذي يأخذه كل ثلاثة شهور، فلمحته سيدة وعرفته. وكانت أرملة المستر تشارمن.
وصاحب به: «أين كنت كل هذا الزمن يا مستر تمبرلي؟ لماذا لم يجئني منك أي نبأ؟ هل صحيح ما حدثني به بعضهم من أنك كنت تعيش في الخارج؟»
وبلغ من ارتباكه من جراء هذه المباغتة، أن ردد، بطريقة آلية، آخر ما سمعه من السيدة - «في الخارج.»
فألحت عليه المسز تشارمن تسأله ولا تدع له فرصة لكلام يقوله: «ولكن لماذا لم تكتب إلينا؟ تالله ما أقساك؟ ولماذا سافرت من غير أن تخبرنا؟ إن ابنتي تقول إننا لا بد أن نكون قد أسأنا إليك بشيء ما، قل بالله! إنه لا يمكن أن يكون هناك شيء ...»
فقال: «يا عزيزتي المسز تشارمن، إني أنا الملوم وحدي. إني ... ولكن الإيضاح صعب لأنه يستدعي تفصيلا طويلا، وبيانا مسهبا، وإني لأرجو أن تحملي سلوكي الذي لا مسوغ له على - على محمل الشذوذ المحض.» - «لا بد أن تجيء إلينا وتزورنا. وهل تعلم أن آده تزوجت؟ نعم، منذ سنة أو حوالي ذلك. ولشد ما يسرها أن تراك! فإنها تلهج بذكرك كثيرا، متى تستطيع أن تتعشى معنا؟ غدا؟» - «بسرور، بسرور عظيم.»
وأعطته عنوانها، وافترقا.
Неизвестная страница