ولست أكتم سيدي القارئ أنني ذعرت في هذه الرحلة ذعرا شديدا كاد يجيء على نفسي: ذلك بأننا بعد أن وصلنا بسلامة الله، أخذنا من فورنا سيارة إلى النزل، فلبثنا هناك إلى ما بعد الظهر، ثم بدا لنا أن نتغذى في مطعم الشاطبي، وما كدنا نصل إلى رأس السلم حتى أشار لي صديقي حسني إلى ناحية السماء، فإذا طيارة تحلق في الجو، وقال لي: إنها التي كنا فيها، وهي الآن في مقفلها إلى القاهرة ، فقلت له: وقد اصطكت ركبتاي من الذعر والوهل! أفكنا على هذا الارتفاع؟ قال: بل لقد كنا في بعض الطريق على ثلاثة أضعافه! ولقد والله أحسست أن قلبي يمشي في صدري حتى بلغ حنجرتي، فجعل يتخلج فيها تخلجا «لا يرتقي صدرا عنها ولا يرد»، فلما عاد ريقي فجرى في مجاريه قلت له: أفجننت أنا حتى أجازف في مثل هذا؟! والله لئن كان حدث لي حدث في هذه الرحلة، ما سمعت لك مرة واحدة، ولا ركبت معك بعدها طيارة أبدا.
على أننا قد وصلنا بحمد الله تعالى سالمين، فلحى الله أنفس الجبناء!
الراديو1 كما يصفه أعرابي قادم من
البادية
سيداتي سادتي
تفضلت شركة مركوني فدعتني لأتحدث إليكم أحاديث شتى في أوقات متفرقة، وإني على ما تداخلني من الزهو بهذا التشريف، لقد تعاظمني الأمر وهالني، فليس من اليسير على مثلي أن يقف بين يدي هذا المذياع «أعني الميكروفون» فيخاطب آلاف الآلاف من أصناف الناس في شعب الأرض، بينهم العالم والأديب، وفيهم الكاتب والشاعر والناقد، وسيدات هنالك لا ينقصن في هذه المقامات علما وفضلا وأدبا.
لقد تعاظمتني هذه الدعوة، فتعذرت بادئ الرأي على إجابتها، ولكنني دفعت بعد هذا إليها من أولياء مشورتي دفعا.
إذن لقد حق القول، ولكن ماذا أقول، وكيف أتحدث؟
خلوت إلى نفسي لأختار أول حديث لي في هذه المحطة، وجعلت أتصفح وجوه الموضوعات، على أنه كلما سنح لي واحد منها، حال بيني وبينه همي وشغل نفسي بما يكون من موقفي في «الراديو»؛ وكف ذلك الشغل ذهني عن أي تفكير في غيره وعن أي تدبير، نعم، لقد ملك ذلك علي ذهني من جميع أقطاره ... إذن فلأرسل حديثي في «الراديو» ولأقصر عليه الحديث.
الراديو
Неизвестная страница