Мухтар аль-ахбар
مختار الأخبار
Жанры
التتار قد قصدوا البلاد ، فعند ذلك تأهبت العساكر الإسلامية ، وجقلوا الرعية من الأطراف الفراتية والحلبية ، وأخذوا في الاستعداد ، واستخدام الأجناد ، وإعداد العدد والأعداد ، وجمع غربان البلاد ، وشد الفرسان للجهاد ، واتفقت الآراء في المشاور ، وأجمع الأمراء الأكابر على تجريد مقدمة العساكر ، فجرد الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، والأمير حسام الدين استاذ الدار ، وجماعة من الأمراء . قال الراوي : وكنت في جملة العديد ، وزمرة هذا التجريد . فاستخرنا الله تعالى في الحركة ، وسرنا على اليمن والبركة ، ورحلنا من مسجد التبن في الثامن عشر من رجب الفرد ، واتصل بنا عنه حقيقة الوصول بأن غازان وصل بنفسه تلو العساكر إلى الرحبة ، وقصد نزالها ، ورام قتالها ، وأن النائب بها ، وهو علم الدين سنجر الغتمي ، ساسهم ولاطفهم ، وأخرج لهم الإقامة صحبة ولده ، وقال : إن الملك لا يتعب نفسه ولا رجاله في هذا المكان ، فإن مرامه يسير ، وأمره حقير ، وهو الآن متوجه لمن قدامه من العسكر ، فإن كسرهم فهذا المكان في قبضته ، وأنا غلامه وفي طاعته ، فاستوقفه عن المنازلة ، وأخره عن المعالجة . وقيل إن قازان عرض له مرض الفالج ، فعاد من الرحبة راجعا ، ورجع إلى بلاده مسارعا ، وتقدم إلى قطلوشاه بالتقدم هو ومن معه . ولما وصلنا إلى دمشق أخبر الكشاف المرسلون بوصول العدو إلى قارا ، ونزولهم بها نهارا ، فعند ذلك تعين الاستعداد والتأهب للجهاد ، وأجمع الأمراء على أنه لا يكون لقاء إلا بعد الاجتماع بمولانا السلطان ، والرجوع إليه حيث كان . فتأخروا إلى جهة قرن الحرة وتل الفرس ، فلما رأى أهل دمشق تأخر العساكر ، أيقنوا أن لا قوة لهم ولا ناصر . فعجت أصوات الأكابر منهم والأصاغر ، وأعلن سوادهم بالشتم الظاهر . وبينا أنا مفكر في هذا الأمر ، مر بي بريد راكض ، فسالته عن السلطان ، فأخبر باقترابه ووصوله في أطلابه ، فقصدت تحقيق روايته ، والوقوف على كتبه ، فأخذتها منه غصبا ، وأوجعته ضربا لما كنت فيه من التحرق على الإسلام ، والقلق الذي منع الأجفان لذيذ المنام . فلما وقفت على الكتب ، وتيقنت وصول السلطان عن كثب قرأتها على الأمراء ، وأخذت في رد العساكر التي قصدت التأخير ، وعجلت إلى الرجوع المسير ليعودوا إلى مرج الصفر ، فتراجعوا إليه أولا فأولا ، وسكن بعض من كان جفة ، وبعضهم استخفه الروع وتم سائرا ، حتى أن أوائل الراجعين إلى ورائهم ومسلوا إلى قرب مولانا السلطان ، فلما رآهم العسكر الذين معهم انزعجوا وارتاعوا ، وكاد أكثرهم يفر قبل المصاف لولا ما تدارك الله به من الألطاف . ولما أطل السلطان علينا ، ووصل إلينا ، قويت القلوب الحائفة ، وأضحت بالتأييد واثقة ، وترتبت العساكر طلب فطلبأ ، ووقفوا ميمنة وميسرة وقلبا . وكان في الميمنة الأمير حسام الدين الرومي استاذ الدار ، والأمير مبارز الدين بن قرمان ، والأمير بهاء الدين يعقوبا ، والأمير جمال الدين الموصلي قتال السبع ، وفي جناحها الأمير سيف الدين قفجاق ، وعرب الشام . وكان في الميسرة الأمير بدر الدين أمير سلاح ، والأمير شمس الدين قراسنقر نائب السلطنة بحلب ، والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار ، ونحن إلى جانبه . وكان في القلب الأمير سيف الدين سلار كافل الممالك الشريفة ، والأمير ركن الدين الجاشنكير ، والأمير جمال الدين أقش الأفرم نائب السلطنة بدمشق ، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار . وكان ذلك على طرف مرج الصفر مما يلى جبل غباغب . وما [ أن ] تكامل الترتيب ، وترتب التطليب إلا والنقع قد ثار ، وعجاج العدو قد سود وجه النهار ، ولاح سوادهم من جهة جبال الكسوة كقطع الليل ، أو كمد السيل ، وكان السبب في هجومهم ، وعجل قدومهم أنهم أمسكوا رجالة في الطريق فسألوهم عن أخبارنا ، فقالوا لهم إن السلطان ما حضر بعد ، وأن العسكر ولوا مدبرين ، فساقوا عند ذلك ، فأداهم ذلك المساق إلى السياق ، وقادهم ذلك الإقدام إلى زلزال الأقدام ، فجاءوا إلينا بجيشهم اللجب ، وجمعهم الذي كاد منه ضياء الشمس يحتجب ، فلم يكن بين وصولهم ووصول السلطان إلا كلمحة طرف أو خطة حرف . وكان التتار في الترتيب وصورة التطليب اثني عشر تومانة ، لكنهم على التحرير كانوا يكونون تسعة ثمانات كاملة . وكان فيهم من مشاهير مقدميهم قطلوشاه وين ، وسوتاي اقطاجي ، وجوبان بن داون ، ومولاي وقرمشي بن الناق ، وطوغان ، وشبوشي بن قطلوشاه ، وطغرل بن أجر ، وابشقا ، وأولاجعان ، وألكان ، وطيطق . وعدوا نهر الكسوة ، وطلبوا كتف المصري حسام الدين استاذ الدار ، والأمير مبارز الدين بن قرمان ، وأيدمر النقيب ، وأيدمر الرفا ، وأيدمر القشاش ، وأقوش الشمس الحاجب ، وسنقر الكافرى ، ومن العسكر المنصور تقدير ألف فارس من رجال الحلقة ، وماليك الأمراء وغيرهم ، كلهم في ساعة الصدمة ، وحالة الهجمة ، وفازوا بمنازل الشهداء، ونالوا مراتب السعداء . ولما عاين الذين في القلب ما أصاب الميمنة ، أردفوهم وهم : الأمير سيف الدين سلار ومن ذكرناه معه من الأمراء ، ثم أردفت الميسرة القلب ، وتكردست العساكر بعضأ يتلو بعضا ، وصاروا كأنهم بنيان مرصوص لا يستطيع الدهر له نقضا . فلما شاهد العدو تلك الجيوش الممتدة ، والجنود العظيمة العدة والعدة ، وتقدموا إليهم ، وبذلوا السيوف فيهم ، فانكسروا لوقتهم ، وولوا مدبرين ، وانقلبوا خاسرين ، وفر أكثرهم في تلك العشية مع مولاي . وكان ذلك في يوم السبت الثاني من شهر رمضان ، وأتى المسلمون عليهم ، ونهضوا إليهم ، ونالوا منهم قتلا وسلبا ، وأسرة ونهبا . ولجأت الطائفة التي صدمت الميمنة إلى جبل غباغب ، وباتوا به ليلتهم تلك ، وأوقدوا حولهم نارا ، ولم يزالوا على كرسي إلى صباح الأحد الثالث من شهر رمضان ، فأحاطت بهم العساكر المنصورة ، وناوشتهم القتال من باكر إلى قريب الظهر ، فعطشت خيولهم ، واضطربت عقولهم ، وتسلل إلينا منهم أقوام ، وأخبرونا بأنهم لما ضاق بهم الأمر ، وأحاط عليهم العسكر حوطة الحصر ، جاء جوبان أحد مقدميهم إلى قطلوشاه ، وقال له : أريد أن تعطيني عسكرا أهجم به على المسلمين ، فما وافقه على ذلك ، فعاتبه وقال له : أنت الذي عزوتنا وسقتنا إلى هاهنا ، وخالفت ما رسم لك به قازان ، فإنه لم يأمرك بالتقدم إلى هذا المكان ، بل أوصاك أن تقيم بحمص ولا تتعداها ولا تتقدم إلى مكان سواها ؛ وضرب فرسه وولي عنه ، وجمع أصحابه ، وحملوا على كمية ، ونزلوا من الجبل طالبين طريق الرحبة ، ونزل من بعده أبشقا ومن معه في طلب ثاني ، وتبع أصحابه غير واني . وأما قطلوشاه وطيطق ومن كان معهم ، فإنهم نزلوا بعد ذلك قوما تلو قوم ، وأمهلهم المسلمون ريثما تقدموا ، ثم ركبت أكتافهم العساكر ، وحكموا في هامهم البواتر ، ولم يزالوا يوسعونهم قتلا إلى أن دخل الليل ، وتمكن من عدو الدين الذل والويل ، ورجع المسلمون مظفرين ، وعلى الأعداء منتصرين . ثم إن مولانا السلطان جهز البعوث في آثارهم ، فتبعوهم إلى أن تجاوزوا الرحبة ، وقد تمزقوا كل ممزق ، وتشتت شملهم وتفرق . وبلغني أن الذين عدوا منهم بحر الفرات غرق أكثرهم ، ولم ينج منهم إلى بلادهم إلا القليل لأنهم هلكوا عطشا وجوعا . ووصل قاصد وأخبر بأنه لم يصل إلى بلادهم من كل تومان إلا شرذمة يسيرة ، وعدة حقيرة . ثم تحقق الخبر بأنه لم يصل إلى بلادهم إلا زهاء ثلاثين ألفا لا غير . وفي وقت وصولهم إلى قازان ، ورد عليه الخبر بأن قيد وجرد أخا نوروز إلى خربندا أخي قازان ، فكسره أخو نوروز المذكور بخراسان ، وجاءته رسل طقطاي تطلب منه توريز وبلادها ، وإلا الاستعداد للملتقى . فتواترت أنكاده ، وتناقصت أعداده . وفي الخامس والعشرين ، وصل الركب السلطاني إلى دمشق ، فخرج أهلها كافة الاستقباله بعد نصرته على التتار ، وفرحوا بإيابه إليها واستقلاله . وكان يوما مشهودا ، ومن جملة الأعياد معدودا . وجهز السلطان إلى قازان كتابا يذكره فيه ، ويعرفه أن مكر الله به كان خيرا من مكره ، ويوعز إليه بأن يرسل الرسل الذين عنده ، ولا يحوج بسببهم إلى كتاب آخر بعده .
Страница 127