باب
لا تسأل غير نفسك عن امرك، ولا تسمع منها الا ما يزكيه علمك وتحققه عندك بالفعل فانك بك أعلم، فان رضيت خفيات امورك المستورة فلا تدخلنك الشبهة في صحة ذلك عند الجميع وتبجيلهم لك عليه.
قال رجل لخالد بن عبد الله القسري: انك لتبذل ما جلّ، وتجبر ما اعتل، وتكثر ما قل، وليكن بذلك اكثر من اطماعك يعظم قدر ما تفيد، فان الرجاء اذا اتسع استغرق ما كان دون تقديره.
اصحب الملوك بالهيبة وان طال أنسك بهم، تتم موداتهم لك فانما احتجبوا عن العوام لتبقى هيبتهم عندهم فلا تدع تفقد ذلك من نفسك لمن اتصلت به منهم، ولا تيأس من الزمان وان مطل أملك وان جميع من تغبطه بما اوتى فبعد تعذر عليه أتاه، مع كل منظر حسن رقيب ينغص (١) بهجته ويؤذن بزواله مع عوارض الآفات فيه وما يشوبه من التنغيص خفى محجوب وشجا للقلوب مستور، من ضاف خلقه فهو بمعزل عن الخفض وان اتحفه الدهر بما سأل وأعطاه ما تمنى، وكمال الفضل في الدعة حسن الخلق، وقيمة الخلق الصالح اكثر من قدر الدنيا وما منه عوض ولوصحب المرء الدنيا سليما من الآفات آمنا من البوائق.
قال آخر: الذى لم يأت كالذى فات، وكل زائل في الدنيا كحلم نائم.
آخر: لا تأنسن بما استوحش منه أهله بعد أنسهم به، ولا تأسف على قد فاتك منه فانى رأيت الملوك يتنازعون الدنيا بتعب ابدانهم وما امتد لهم العمر وكلما حظروا منها على منزلة راموا التى تليها حتى يفنيهم الموت فلم أرهم مع ما خولوا مستريحين هذا مع الذى يصحبهم من وزر المظالم وطول الوقوف للقصاص.
_________
(١) نسخة المتحف: ينتقص.
1 / 33