Гражданское общество и культура реформ: критический взгляд на арабскую мысль
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
Жанры
ويشهد تاريخ الأحداث على أن مفهوم العقل الكلي، ويعني عقل الغرب المتحضر، ومفهوم المعرفة الكلية، التي تعني معارف هذا العقل وصدقها الكلي، كانا أساسا لدعم المركزية الغربية وفرض عصر للهيمنة الكوكبية الغربية، واستطاع الغرب من خلال التوسع الإمبريالي أن يفرض بقوة وسلطان القنابل وآلات الحرب، وبفضل التفوق التكنولوجي والعسكري، أن ينشر مع التوسع نفوذ مفاهيم التنوير عن الطبيعة والحرية والحق باعتبارها ثقافة الغرب، وهذه هي المصطلحات أو الكلمات التي حددت معنى الحداثة الثقافية، وغرس الغرب وهما بأن لا انفصام بين التحديث الاقتصادي والتكنولوجي، وبين التحديث الثقافي على النمط الغربي، أي ضرورة التغريب شرطا للحداثة والتقدم الحضاري.
وليس خافيا أيضا أنه على مدى النصف الثاني من القرن العشرين - باسم طبيعة الأمور والصدق الكلي - فرضت الولايات المتحدة على اليابان وعلى عدد من الدول الزراعية في أمريكا الجنوبية دستورا ديمقراطيا ليبراليا لإيمانها، أو ظنا منها حسب إطار الفكر التنويري، أن هذا الوضع هو الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن يكون وفق الرؤية الكلية لمعنى العقل - الطبيعة - المعرفة - المجتمع المدني، وفرضت دستورا ديمقراطيا غريبا عن الثقافة القومية بحجة أن الشعوب إذا أتيحت لها فرصة الاختيار التلقائي الحر سوف تختار التشبه بأمريكا؛ لأن هذه هي الطبيعة التي حرمتها منها ظروف وأوضاع قسرية، ولكن إنجازات اليابان ومن بعدها الصين وغيرهما من بلدان شرق وجنوب آسيا، وهي إنجازات حداثية، تحققت لأسباب أخرى، وليس بسبب الإصلاح الخارجي، كذلك المكسيك وبيرو وبورتوريكو وبلدان أمريكا الجنوبية أخفقت لأسباب أخرى، على الرغم من فرض دستور ديمقراطي ليبرالي، أي صورة مجتمع مدني، ولكن لا تزال الولايات المتحدة الرسمية تتعلق بأذيال التنوير الغربي أو بأوهامه، وترى فرض «الإصلاح» من خارج، ورفض مبدأ التنوع الثقافي، ظنا منها أن ثقافة «الأنجلو ساكسون» أو الرجل الأبيض هي الأرقى والأحق بالسيادة، وطبيعي أن فرض الإصلاح من خارج على يد قوة مهيمنة يعني إذعان الضعيف وإلزامه بتوفيق أوضاعه بما يتلاءم مع مصالح الطرف الأقوى ليشهد له بالصلاح.
وهكذا واجه - ويواجه - مفكرو الغرب أزمة عميقة صدعت أطر الفكر التقليدي أو الحداثي الغربي، وأصبح لزاما على الغرب إصلاح ذاته، وغني عن البيان أن الإصلاح المنشود عند الغرب غيره عند المجتمعات الأخرى لأسباب تاريخية واجتماعية وثقافية ... إلخ، وكانت ثورات الشاب الغربي في الستينيات نذيرا بالفشل التام لفكر التنوير في صورته الكلية، ودعوة لتجديد الفكر الغربي والالتزام بالخصوصية الغربية على قدم المساواة مع الخصوصيات الاجتماعية الأخرى، والاعتراف بالمستجدات من أحداث على الصعيد العالمي، وبالتنوع الثقافي وتعدد سبل التحديث وصولا إلى الحداثة، أي تجديد جذري لمفهوم وآلية المجتمع المدني الديمقراطي الليبرالي.
وخرجت من تحت عباءة ثورات الشباب في الستينيات تيارات فكر ما بعد «المودرنزم» أو ما شاعت تسميتها - وإن خطأ - ما بعد الحداثة، وأصبح مطلوبا فك الارتباط بين الديمقراطية الليبرالية ونظرة التنوير التقليدي إلى العالم (النظرة الكلية) للوصول إلى مفهوم عن المجتمع المدني الغربي وعن ثقافة المواطنة الغربية، مفهوم يؤكد الصواب الأخلاقي والمكانة الثقافية الجزئية لثقافة المواطنة المدنية الغربية.
وهذه دعوة لما يسمى الثقافة المدنية بعد الحداثية
Modern
أو الثقافة المدنية لما بعد التنوير
، وتلتمس هذه الثقافة الآن سبيلا جديدا لفهم طبيعة المواطنة الديمقراطية الليبرالية بعيدا عن أوهام الحديث عن عقل له ميزات ميتافيزيقية أو إبستمولوجية، فهذه الأوهام ضرب من الأيديولوجيا والشمولية الفكرية المرفوضة، ومن ثم فإن الدعوة إلى المجتمع المدني في فكر ما «بعد المودرنزم» هي دعوة لمراجعة ومناهضة فكر التنوير التقليدي، ومفاهيم المعرفة، والحق، والعقل الكلي المتميز، وإبداع قاموس لغوي غير قاموس التنوير القائم على النزعة الكلية والماهوية والمحورية الغربية، وتذهب هذه الدعوة إلى تأكيد التعددية والنسبية الثقافية، والتنوع الثقافي، وترى أن هذه هي طبيعة الأمور مما يؤكد حق المجتمعات الأخرى.
المجتمع المدني إذن - وحسب التعريف - مجتمع غربي، وقضية المجتمع المدني المثارة الآن في الغرب قضية غربية بامتياز، والأزمة هي أزمة تجديد الفكر الغربي وإصلاح المجتمع المدني الغربي، واحتل التفكير في المجتمع المدني مكان الصدارة بعد ثبوت إخفاق الليبرالية السياسية الحداثية التي جردت المواطن من فعاليته، وأصبح لزاما تجديد فعالية المواطن الغربي وإعادة بناء الثقافة المدنية على أساس من الخصوصية الجزئية، وهذا هو التحدي أمام الغرب، التحدي الثقافي والفكري، تحدي تغيير المفاهيم ولغة النظرية الليبرالية السياسية الحداثية التي تعزز خطابات أطر الفكر الكلية والتي تحول دون فهم التحولات الجديدة واستيعابها في العالم، أي تدعم المركزية الغربية وتغفل الجديد مع ظهور العالم الثالث.
ويرى التيار الإصلاحي الغربي أن الغرب بحاجة إلى لغة جديدة غير لغة قاموس التنوير التقليدي للحفاظ على الخصوصية الغربية إيمانا بالتنوع الثقافي، إننا - كما يقولون - بحاجة إلى التماس الطريق لإبداع ثقافة مدنية بعد تنويرية قادرة على دعم المؤسسات الليبرالية الديمقراطية وسط عالم متكافئ العناصر الحرة، ويتساءلون هل يمكن تجديد المعيارية المحورية المحددة للمثل العليا السياسية الليبرالية للحرية الفردية والمساواة، وأن يأتي التجديد متلاحما ومتسقا، على الرغم من تجريده من زخارف التنوير التي تحمل مسمى الرؤية الكلية الجوهرية؟
Неизвестная страница