الدكتور محمود محمد الطناحي
الموجز
في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات
وتعريفات العلوم
الطبعة الأولى
١٤٠٦هـ - ١٩٨٥م
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين. اللهم وصلى وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين، ومن دعا بدعوته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذا دليل موجز، إلى أبرز مراجع تراجم العلماء، والأدباء، والمصنفين في كل فن فنون التراث العربي، على اختلاف مناهج هذه المراجع، مع ذكر شيء من كتب الضبط والتقييد، وكتب البلدان (الجغرافيا)، ومراجع الكتب والمصنفات (المراجع الببليوجرافية) التي تعين على رصد حركة التأليف العربي، ومعرفة مساره عبر القرون والأزمان، وكتب تعريفات العلوم ومصطلحاتها.
وقد وضعت هذا الدليل الموجز لطلبة الدراسات العليا (١)، الذين يؤودهم جمع مادتهم التاريخية، والتهدى إلى توثق الكتب والمصنفات، من مصادرها ومظانها.
ولقد كنت أسأل بين الحين والحين عن شيء من ذلك، فأجيب بما يفتح الله به علي، ومع كثرة السؤال كنت أجد أسى، وأحس ألمًا لما تردى فيه طلبة العلم، من جهل بتاريخ أمتهم، وعلومها
_________
(١) بدأت في إلقاء محاضرات هذا العلم، على طلبة قسم الدراسات العليا العربية، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، زادها الله، وزاد بيتها العظيم تشريفًا وتكريما ومهابة، فإلى جامعة أم القرى الفضل بعد الله تعالى، في كتابة هذا الدليل.
1 / 7
وآدابها ومعارفها، وتبوءُ بإثمه مناهج الدراسة في جامعاتنا العربية، التي لا تكاد تعنى بإبراز هذا الجانب وتجليته، إلى أسباب أخرى من القهر والمسخ والتشويه، وتفريغ العقول التي يتعرض لها أبناؤنا فيما يقرأون وفيما يسمعون.
نعم، لقد تعرض أبناء هذا الجيل لسيل طاغ وموجات متلاحقة، من التشكيك في ثراتهم وأيامهم: فالشعر الجاهلي غموض وانتحال، وتفسير القرآن مشحون بالإسرائيليات، والحديث ملئ بالوضع والضعف، والنحو تعقيد وتأويلات، والصرف فروض ومتاهات، والبلاغة تكلف وأصباغ، والعروض قيود ودوائر تدير الرأس، والتاريخ صنع للحكام والملوك، ولم يرصد نبض الشعوب وأشواقها (١) .
ومن وراء ذلك كله، فاللغة العربية عاجزة عن مسايرة ركب الحضارة؛ لقصورها عن التعبير عن العلوم التطبيقية والكونية؛ لأنها لغة شعر وبيان.
يسمع أبناؤنا هذا كله عاليًا مدويا، وتتجاوب أصداؤه المترنحة من أحلاس المقاهى، إلى قاعات الدرس الجامعي، ولا يستطيع الشباب لذلك دفعًا ولا ردًا؛ لغرارتهم وجهلهم وقلة حيلتهم؛ ولأن كل هذه السموم إنما تساق في ثياب مزركشة، من المنهجية والموضوعية، والتفكير العلمي، وحركة التاريخ، والموقف الحضاري، والشمولية. ولا يعرف أثر هذه الألفاظ الغامضة المبهمة إلا من ابتلى بشرها، وصلى جمرتها،
_________
(١) وبمثل هذه الألفاظ الخادعة البراقة يستميلون الشباب، ويوقعونهم في قرار مظلم من الافتتان الكاذب، والشك الموبق.
1 / 8
ووجد مسها، وكل ذلك عرفت، إذا كنت في طراءة الصبا وأوائل الشباب، تستهويني هذا الأضاليل، وتتلعب كتلعب الأفعال بالأسماء، على ما قال أبو تمام، وأحسب أن كثيرًا من أبناء جيلي قد وقعوا في هذا المهوى السحيق.
وكان أكثر هذه الأصوات دويا، وأشدها فتكا، تلك التي انبعثت من داخل درس الأدب في جامعاتنا العربية. فمن خلال الثرثرة حول نظريات غربية في الأدب، وتطويع الأدب العربي، وإخضاعه لها، وتطاير شرر كثيرة، حاول أن يأتي على تراث عربي عريق للكلمة العربية؛ شعرًا منظومًا حمل أنغامًا جليلة، وكلامًا منثورًا أبان عن أدق أسرار النفس وخلجات الروح.
ثم كان أن غرق طلبة العلم في قضايا فارغة، بدءًا من الوحدة الموضوعية والمعاناة، والتجربة الشعرية، وتراسلا الحواس، والمونولوج الداخلي، والدفقة الشعورية، والتعبير بالصورة، والألفاظ الموحية، والشعر المهموس (١)، وأدب الفرض والعبث، وانتهاءً بالحداثة والمعاصرة، التي تشغل بالهم هذه الأيام.
وكانت المحنة فيما أثير حول "الرمز" في الأدب، الذي ألقى سدولًا كثيفة كئيبة على البين الذي هو أشرف ما وهبه الله للإنسان، وخضع النص الأدبي تحليلًا ودرسًا لتلك الرموز" اليونانية المتمرغة في أوحال الأساطير، وهي رموز وثنية المنابت والأصول تجعل الحياة البشرية
_________
(١) يقول الدكتور عبده بدوي: "لقد أسلمنا " الشعر المهموس " إلى الشعر المكبوت، بحيث تحول الشعر في جانب منه إلى تخرصات وأوهام وتنهدات، وهذيان حواس، وسيولة لفظية وفكرية معًا". مقدمة كتاب دراسات في النص الشعري.
1 / 9
جحيمًا مستعرًا من الخطايا والذنوب والآثام، وتحليل الهم الشريف ظلمة مطبقة على القلب والنفس، والقلق السامي تدميرًا لبنيان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ﷾" على ما قال شيخنا محمود محمد شاكر (١) . والرمز عنده ضرب من الجبن اللغوي. يقول حفظه الله:
"فاللغة إذا اتسمت بسمة الجبن كثر فيها "الزمر" وقل فيها الإقدام على التعبير الصحيح الواضح المفصح. ولا تقل إن "الكناية" شبيهة بالرمز، فهذا باطل من قبل الدراسة الصحيحة لطبيعة "الزمر" وطبيعة "الكناية". و"المجاز". وأنا أستنكف من "الرمز" في العربية؛ لأن للعربية شجاعة صادقة في تعبيرها، وفي اشتقاقها، وفي تكوين أحرفها، ليست للغة أخرى. وإذا كانت اللغة هي خزانة الفكر الإنساني، فإن خزائن العربية قد ادخرت من نفيس البيان الصحيح عن الفكر الإنساني، وعن النفوس الإنسانية، ما يعجز سائر اللغات، لأنها صفيت منذ الجاهلية الأولى المعرفة في القدم، من نفوس مختارة بريئة من الخسائس المزرية، ومن العلل الغالبة، حتى إذا جاء إسماعيل نبي الله، ابن إبراهيم خليل الرحمن، أخذها وزادها نصاعة وبراعة وكرما، وأسلمها إلى أبنائه من العرب، وهم على الحنيفية السمحة دين أبيهم إبراهيم، فضلت تتحدر على ألسنتهم مختارة مصفاة مبرأة، حتى أظل زمان نبي لا ينطق عن الهوى، ﷺ، فأنزل الله بها كتابه بلسان عربي مبين، بلا رمز مبنى على الخرافات والأوهام، ولا ادّعاء لما لم يكن، ولا نسبة كذب إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فمن أجل ذلك كرهت
_________
(١) أباطيل وأسمار ص ٣٧٢.
1 / 10
الرموز، ورأيتها قدحًا في العربية، وتشويهًا يلحقها" (١) .
ثم كانت محنة ثانية في ذلك "الرمز" الذي استحدثته قضايا الشعر الحر، وما أثاره هذا الكلام المخمور المتهالك من إسقاطات وإحباطات وهذر، حول هموم العصر وعذابات الإنسان، كما يقولون.
ولقد كان يكون الخطب هينا لو أن هذا الهراء ظل في مجثمه في مجالس أحلاس المقاهي ممن ينتسبون إلى الأدب، ولكنه انتقل إلى الدرس الجامعي - كما ذكرت - افتتن به بعض معلمي الأدب افتنانا عجيبًا، وصبوه صبًا في أدمغة هؤلاء الشباب الأغرار، ممن ابتلوا بالجلوس إليهم، والأخذ عنهم، ولا سبيل أمام الطالب الذي يريد أن يحصل على شهادته الجامعية إلا التلقي والإذعان.
والآن، وبعد انقضاء نحو عشرين عامًا على تخرجي في كلية دار العلوم، أبحث في حنايا نفسي وعقلي، عن أثاره من هذه اللغو الذي أخذ علينا، في مطالع أيامنا، الطرق والمنافذ، فلا أجد شيئًا ألبته، وقد يكون هذا لأني عرفت سبيلي - بفضل من الله وعون - إلى أدب أهلي وعشريتي، ولكني التمست ذلك أيضًا عند نفر من رفقاء دربي في تلك الأيام، فلم أجد عندهم شيئا، وقد جمعني مع أحد منهم لقاء، وكان قد وقع في أسر الفئة الباغية، الذين خدعوه عن تراثه، وأفسدوا ذوقه، فسألته عن " إليوت والأرض الخراب، والرجال الجوف" وكان شديد اللهج به وبهما، فقال: لم يعد معي من ذلك شيء، ثم أن أنة حسرى، وقال ولم يملك سوابق عبرة: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
_________
(١) المرجع نفسه ص٤٣٥، ٤٣٦.
1 / 11
والحديث عن "إليوت" وشغف القوم به، يفضى إلى الحديث عن كائنه أخرى، وهي إفراط معلمي الأدب في دراسة الأجناس الأدبية الغربية، ودراسة الشعراء والأدباء الذين كتبوا بغير اللسان العربي، وهو جهد ضائع مهدر، استفرغ فيه أدباؤنا وسعهم وطاقتهم فيما لا يجدي نفعًا، لا في أدبنا، ولا في أدب الغرب، ولا يذهبن بك الوهم فتظن أن إنجليزيا يلتمس تعريفًا بشكسبير أو تحليلًا لأدبه عن كاتب عربي استهلك وقته وعمره في دراسته. يقول شيخنا محمود شاكر: "رأيت قط رجلًا واحد من غير الإنجليز أو الألمان مثلًا، مهما بلغ من العلم والمعرفة كان مسموع الكلمة في آداب اللغة الإنجليزية وخصائص لغتها، وفي تاريخ الأمة الإنجليزية، وفي حياة المجتمع الإنجليزي، يدين له علماء الإنجليزي بالطاعة والتسليم؟ (١) .
نعم، شغلنا بأدب الغرب وفكر الغرب شغلًا تامًا، حجزنا عن النظر في موروثنا الضخم الذي أبدعته وحملته أجيال وفية، وعلى امتداد أربعة عشر قرنًا من الزمان، فكان حالنا في ذلك كالذي قاله إبراهيم بن هرمة:
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
وكالذي قاله ابن جذل الطعان:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا
ومثله قول العديل بن الفرخ العجلي:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بني بطنها هذا الضلال عن القصد
_________
(١) برنامج طبقات فحول الشعراء ص١١٨.
1 / 12
والقصد: هو الطريق المستقيم. ولم يكن ضلالنا عن القصد في درس الأدب وحده، بل شمل ذلك سائر العلوم الأخرى. يقول عالم الفضاء المصري الدكتور فاروق سيد (١) الباز: "إن العلوم التي نتعلمها وندرسها في جامعاتنا العربية، هي علوم قائمة أصلًا على تفكير غربي، قامت لخدمة المجتمعات الغربية، ولأضرب لك مثلًا واقعًا من خبرتي ومن واقع تخصصي، لقد تعلمت الجيولوجيا في مصر، فكانت كلها تدور حول ما يتعلق بجبال الألب في أوربا، وجبال لابلاش في شرق أمريكا، وروكي في غربها، أما وادي النيل، وصحراء مصر التي تشكل ٩٦% من مساحة الأراضي المصرية كلها، فلم أتعلم منها ولا كلمة" (٢) .
ومعلوم أن علماء الغرب ومفكريه لم يلتفتوا إلى تراثنا إلاّ في تلك الأيام الخوالى التي كانوا يقيمون فيها حضارتهم، فاتكئوا اتكائا ظاهرًا على حضارتنا أيام ازدهارها وبسط سلطانها على الدنيا كلها، وقد عرفوا ذلك من خلال قنوات معروفة كالجوار والحروب والسفارات. أما في أيامنا هذه التي اغتالونا فيها اغتيالا، فهم في شغل عن فكرنا وأدبنا، ولا يخدعنك ما تقرأه عن ترجمة أعمال بعض أدبائنا إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، فهذا من باب إحكام القبضة وشد الوثاق للوقوع في التبعية
_________
(١) الشيخ سيد الباز هذا كان من فضلاء علماء الأزهر الشريف. ونم طريف ما يذكر أنه ﵀ كان من طبقة المشايخ الذين يدرسون العلوم الرياضية كالحاسب والجبر والهندسة، وقد درست عليه شيئا من ذلك في معهد القاهرة الديني الابتدائي بالأزهر في وائل الخمسينات الميلادية.
(٢) من حديث صحفي، حكاه الدكتور محمد محمد أبو موسى، في كتابه: الإعجاز البلاغي ص٧.
1 / 13
الثقافية، وإن شئت فقل إنه من باب (الضحك على الذقون) - كما نقول في العامية المصرية - وإلهاء الطفل بدمية أو قطعة حلوى لاستدراجه إلى أن يسمع لك ويدور في فلكك، وحتى يعطي المقادة من نفسه معصوب العينين، مشلول الخطى كالذي وقع في أخذة الساحر.
وآية ذلك أنهم على كثة ما ترجوا لأدبائنا لم يعترفوا لواحد منهم بريادة أو نباهة ترشحه للحصول على جائزة من جوائزهم، كجائزة نوبل مثلًا.
ثم كانت البلية التي دونها كل بلية في خضوعنا للفكر الغربي في درس علوم اللسان العربي؛ نحوًا وصرفًا ولغة. وما كان ينبغي لهذه العلوم أن تخضع لتلك التأثيرات الغربية (١)؛ لأن درسها قائم على نصوصنا من القرآن الكريم وكلام العرب الفحصاء، والشعر العربي في عصور الاحتجاج به. والمصنفون في علوم اللسان العربي قد أوفوا على الغاية من وضع الأصول والمطولات والمختصرات والمتون. حتى أصول هذا العلم الذي نقله اللغويون المحدثون عن الغرب، وأكثروا الضجيج حوله، وهو (علم الأصوات)، وأقاموا له المعامل والتسجيلات، وقد وضعت أصوله عربية خالصة، منذ الخليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه، ثم نما على يد أبي علي الفارسي، وتلميذه أبي الفتح بن جنى، ومن جاء بعدهما، وهو من قبل ذلك ومن بعده يعرفه اصغر شيخ في كتاب من كتاتيب القرى المصرين، ويلقنه للصغار، ويعالج أصوله معهم بالتلقى والمحاكاة، واجلس
_________
(١) إلا ما يكون من بعض الظواهر التي تلتقي فيها اللغات، ويظهر فيها التأثير والتأثر، وما إلى ذلك من نشأة الأصوات واللغات وتدرجها وتطورها، كالذي تراه في مباحث علم اللغة والمقارن، فكل ذلك مما لا يشك عاقل في فائدته وجدواه.
1 / 14
إلى واحد من هؤلاء الأشياخ، وانظر إلى حركة فكيه وشفتيه وجريان لسانه، في إعطاء كل حرف حقه ومستحقه، من الهمس والجهر، والإظهار والإخفاء، والفك والإدغام، والترقيق والتفخيم، وكيف يخرج من أحدهما إلى الآخر، في مثل قوله تعالى: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ صورة الأنبياء ٢٨ - وأنظر كيف يفخم الراء ثم يخرج إلى ترقيق التاء، ثم يعود إلى تفخيم الضاد، ويمضى في ذلك كله في سهولة ويسر، دون استكراه أو إعنات. وكان شيخنا الجليل الشيخ عامر السيد عثمان - أحسن الله إليه - يأخذنا إلى تفرقة دقيقة لطيفة، في الوقف على الراء من قوله تعالى ﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ وقوله تعالى: ﴿كذبت ثمود بالنذر﴾ - سورة ١٦ -
٢٣ - فالراء الأولى يوقف عليها بترقيق لطيف يشعر بالياء المحذوفة؛ لأن أصلها ﴿ونذرى﴾ (١) . أما الراء الثانية فيوقف عليها بالتفخيم الخاص؛ لأنها جمع نذير. فهل وجدت شيئًا من هذا في معامل الأصوات؟
أما (النبر) الذي شغبوا به ونازعوا حوله، وأن اللغويين الأوائل لم يعرفوه، فقد عرفه قراء القرآن الكريم، بالتلقي أيضًا، ويسميه بعض القراء: (التخليص) أي تخليص مقطع من مقطع، أو قراءة الكلمة على مقطع واحد، وتلقيت عن شيخي الشيخ عامر السيد عثمان، من ذلك الكثير، منه قوله تعالى: ﴿فسقى لهما ثم تولى إلى الظل﴾ - سورة القصص ٢٤ - وقوله: ﴿فقست قلوبهم﴾ - سورة الحديد ١٦ - وقوله: ﴿وساء لهم يوم القيامة حملا﴾ سورة طه ١٠١.
_________
(١) بإثبات الياء. وهي رواية ورش عن نافع. السبعة لابن مجاهد ص٦١٨.
1 / 15
فإذا عرف طالب العلم بالتلقي صحة النطق في قوله ﴿فسقى﴾ حتى يكون من السقى لا من الفقس، وفي قوله ﴿وساء لهم﴾ حتى يكون من السوء لا من المساءلة، إذا عرف الطالب المبتدئ ذلك لم يحتج في فهم النبر إلى هذا المثال الذي وضعوه، وهو (ذاكر الدرس) لأمر المخاطب المفرد، (ذاكرى الدرس) لأمر المخاطبة المفردة، فمثل هذا المثال ينبغي أن يظل في دائرة التوضيح والتقريب. أما القاعدة فواجب أن تستند إلى النص العالي الموثق الذي لا يرد ولا يدفع.
على أن هذا (النبر) إنما تحتاج إليه بعض اللغات الأجنبية، لأنه عندهم ذو خطر، وتختلف به المعاني اختلافًا ظاهرًا - وليس هذا المكان موضع تفصيله - أما في لساننا العربي، فالأداء الصحيح قد انتقل إلينا بالتلقي المضبوط المتواتر، الذي لا يضل ولا يزيغ (١)، وقد حمله قراء القرآن الكريم بأمانة والتزام، فمن أراده فليلتمسه عندهم لا عند غيرهم.
ثم ترتفع الشكوى في هذه الأيام عن محنة اللغة العربية، وغربتها، وتدني مستواها، على ألسنة الخطباء، وكتابات الكتاب، وأخذ الباكون في النحيب والعويل على أيامنا التي سلفت، وذهب الشاكون في تعليل ذلك كل مذهب وردوا الأمر ردًا غير صحيح.
وأصل الداء عند سبب واحد: ماذا يتلقى طالب العربية الآن في كليات اللغة العربية وأقسامها بالجامعات؟ أمشاج من قواعد النحو
_________
(١) وما خرج عن هذا الأداء الصحيح، فهو من باب الخطأ الصريح الذي يرفض ولا يوقف عنده بتقنين أو تقعيد، كالذي يلحن في كلامه، أو يقرأ شعرًا أو يكتبه غير موزون.
1 / 16
والصرف، مطروحة في مذكرات يمليها الأساتذة إملاء، أو يطبعونها طبعات مبتسرة، تنقص عامًا وتزيد عامًا، واختفى الكتاب القديم لتحل محله هذه المذكرات (١)، ودفع الطلاب دفعًا إلى الملل من قراءة الكتب - والملل من كواذب الأخلاق، كما قال عمرو بن العاص، ﵁ ولا بد لصلاح الحال من أن تكوى هذه القروح الممدة (٢)، وأن يستأصل هذا الداء الخبيث من قاعات الدرس الجامعي.
عودوا أيها السادة إلى المتون، عودوا إلى الآجرومية، وترقوا منها إلى ابن عقيل، وهو كتاب سهل رهو، علم أجيالًا، وأقام ألسنة، ولا تحتجوا علينا بالتيسير على الطلاب، ففي تراثنا النحوي كتب ذوات عدد، وضعت للناشئة والمبتدئين.
نعم، عودوا إلى الكتب الأولى، وضعوا الأستاذ الجامعي في حق وظيفته: وهي أن يخوض بالطلاب الجج هذه الكتب، وأن يسلك معهم دروبها، وأنقذوا الطلاب من ذلك البلاء المصبوب، والسم المدوف؛ إن بعض أساتذة النحو يكتبون في فلسفة النحو كلامًا غريبًا لا تعرف له أعلى من أسفل (٣)، كلامًا هو أشبه بتخاريف الشعر الحر، وكلام نقاده، كالذي وصفه أبو العلاء:
وما لأقوالهم إذا كشفت ... حقائق بل جميعها شبه
_________
(١) لست أمل من ذكر هذا والكشف عنه. راجع كتاب: مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي ص٨.
(٢) هذه الجملة من كلام شيخنا محمود محمد شاكر، العالي، وبيانه الرفيع.
(٣) كالذي قاله ذلك الأعرابي وقد حضر مجلس الأخفش ولم يفهم مما سمع شيئًا، فقال: "أراكم تتكلمون بكلامنا في كلامنا بما ليس من كلامنا" الامتاع والمؤانسة ٢/١٣٩.
1 / 17
وكلام هؤلاء الذين يكتبون في فلسفة النحو - على ضعفه وتهافته وثقله - يحمل في أثنائه شكوكا كثيرة، وسخرية باردة بأعلام النحو. وكل هذا من البلاء الذي يفرض على أبنائنا، ويطالبون باستظهاره واستحضاره. وإلى الله المشتكى!
فماذا تطلب من ناشئ غض، تمرغ في هذه الأوحال، وسقى ماء حميما، ثم تكون عقله ووجدانه على هذه الموائد التي ملئت بصحاف مسمومة؟ .
جاءني ذات يوم طالب يعد رسالة "دكتوراه" وسألني متعجبًا: كيف لا يذكر ابن منظور في "لسان العرب" شيئًا عن معنى كلمة (التراث)؟ فقلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: هو على ما وصفت لك، لقد بحثت عن مادة (ترث) في فصل التاء من كتاب الثاء، فلم أجد لها ذكرا. فقلت له: ابحث في مادة (ورث)، وستجد بغيتك؛ لأن هذه التاء التي تراها، مبدلة من الواو، مثل (تجاه) من (وجه)، و(تقاة) من (وقى) . ففغر فاه دهشًا وتحيرًا.
ولو ذهبت أذكر أمثلة من ذلك لأتيت بكل عجيبة.
وإن تراثنا بفنونه المختلفة قد غيب عن أبناءنا بظلمات بعضها فوق بعض من تراث الأعاجم. وحين بلغ الضعف منهم مبلغه أنحينا عليهم باللأئمة، ووسمناهم بالقصور. وحق لهم أن يقولوا قولة عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
فلو أن قومي انطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت (١) .
_________
(١) يقال: أجرت الفصيل: إذا شققت لسانه لئلا يرضع أمه.
1 / 18
وعودًا على بدء؛ فقد رغب إلى كثير من الطلبة، وكثير أيضًا من كرام أساتذة العلم أن أكتب شيئًا عن مراجع تراجم الرجال والبلدان، وكتب الضبط، ومراجع الكتب والمصنفات، وتعريفات العلوم ومصطلحاتها، وأن أضع ذلك بين أيديهم، تذكرة مختصرة، ودليلًا مسعفًا. فأجبتهم إلى ذلك؛ طالبًا للثواب، راغبا إلى الله ﷿ أن ينفع به، مع ما أعرفه في نفسي من ضعف المنة (١)، وقلة الزاد، فنحن نلقى الناس بعلم " مسترضع بثدي من العجز وثدي من التقصير" كما يقول شيخنا محمود محمد شاكر (٢) . وصدق من قال (٣)::
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن البلاء تفردى بالسؤدد
وإني لأقول هذا من باب الحقيقة الصادقة، لا من باب التواضع الكاذب، فليس كالزهو والكبر حجازًا بين المرء وبين أن يستفيد علما. وإن من آفات المنتسبين إلى العلم في هذا الزمان: التطاول والتعالي، وترى أحدهم يمشى بين الناس، شامخًا بأنفه، زامًا شفتيه، منتفخًا قد شرقت عروقه ولحمه بدم كذب، هو دم الكبر والعجب، حتى كاد يتفقا. فإذا جاءت الحقائق لم تجد شيئًا؛ إلا شيئًا لا يعبأ به.
فضعف العلم بضعف أهله. " فإن فساد كل صناعة من كثرة
_________
(١) المنة، بضم الميم وتشديد النون: القوة. يقال: هو ضعيف المنة، ومنة السير: أضعفه وأعياه. ورجل منين: أي ضعيف، كأن الدهر منه، أي ذهب بمنته.
(٢) مقدمة تحقيق تهذيب الآثار - لأبي جعفر الطبري - ص١٥، وشيخنا، حفظه الله، في هذا الكلام العالي الشريف، يصف حاله هو، على جلالة قدره، وعظيم خطره!
(٣) هو حارثة بن بدر الغداني، التابعي، ﵁.
1 / 19
الأدعيا، وقلة الصرحاء" كما قال أبو سليمان الخطابي (١) . وروى، ﵀، عن إسماعيل بن محمد الصفار، سمعت العباس بن محمد الدوري، يقول: "أردت الخروج إلى البصرة، فصرت إلى أحمد بن حنبل، وسألته الكتاب إلى مشايخها، فكلما فرغ من كتاب قرأته، فإذا فيه: "وهذا فتى ممن يطلب الحديث"، ولم يكتب: "من أصحاب الحديث".
وهذا الدوري الذي استكثر عليه الإمام أحمد، ﵁، أن يكون من أصحاب الحديث، يصفه الحافظ الذهبي بأنه "الإمام الحافظ الثقة الناقد (٢) "، ويحكى عن الأصم، قوله فيه: "لم أر في مشايخى أحسن حديثنا منه". ثم روى هذا الخبر، برواية أخرى، عن إسماعيل الصفار أيضًا، عن الدوري، قال: "كتب لي يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، إلى أبي داود الطيالسي، كتابًا، فقالا فيه: "إن هذا فتى يطلب الحديث"، وما قالا: "من أهل الحديث".
ثم عقب الذهبي، فقال: "قلت: كان مبتدئا، له سبع عشرة سنة، ثم إنه صار صاحب حديث، ثم صار من حفاظ وقته ".
ومهما يكن من أمر تفسير الذهبي، فإنه تبقى للقصة دلالتها على ما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم، من تطامن وانكسار، وهضم للنفس. وآية ذلك تعقيب الدوري نفسه، وسياقه الخبر عند الخطابي.
_________
(١) ...
(٢) ...
1 / 20
وكنت أود أن أقف وقفة طويلة مع هذه المراجع؛ أكشف عن مناهجها، وأدل على طرائقها، لكني تركت ذلك - مع قدرتي عليه، امتلاكي لأسبابه، بفضل الله وعونه وتوفيقه- لأني أردت لهذا الدليل أن يكون خفيف المحمل، قريب المورد، سهل الاستيعاب؛ ولأن كثيرًا من طلبة العلم لم تعد لديهم القدرة على قراءة المطولات، والصبر عليها؛ للذي عرفته من كثرة الصوارف والحواجز، في هذه الأيام. وهذا بلاء قد عم وساد، وكاد يستوى فيه العالم والمتعلم على السواء. وقد قالوا وأحسنوا: مالا يدرك لا يترك كله.
على أن طالب العلم مدعو لأن يقرأ مقدمات الكتب وخواتيمها؛ ليقف بنفسه على منهج الكتاب، وموضعه من كتب الفن الذي يعالجه، وأسلوب التعامل معه، والرجوع إليه.
وطالب العلم مدعوا أيضًا إلى أن يدرك العلائق بين الكتب: تأثرا وتأثيرًا، ونقدًا واختصارًا وتذييلا.
وليعم أبناؤنا الطلبة أن كثيرًا من أبواب العلم إنما يحصل بالجهد الشخصي الدءوب، وأن وظيفة المعلم إنما تقف عند حدود تعبيد الطرق، ووضع العلامات والصوى (١) .
ونعم، كان واجبًا على المعلم أن يأخذ بيد الطلاب، إلى هذه الكتب، ويضيء لهم سبلها، ويكشف لهم عن أغوارها، وهكذا كان في أيامنا التي سلفت - ولكن مناهج الدرس في جامعاتنا العربية، لا تسمح بذلك، ولا تعين عليه، كما سبق.
_________
(١) الصوى، بضم الصاد، والقصر: جمع صوة، بالضم والتشديد، وهي حجر، يكون علامة في الطريق.
1 / 21
وثالثة: واجب على طالب العلم أن يعرف فرق ما بين الطبعات (١)، فإن كثيرًا من كتب التراث قد طبع مرتين أو أكثر، وتتفاوت هذه الطبعات فيما بينها؛ كمالًا ونقصًا، وصحة وسقما، ولا بد أن يكون رجوع الطالب إلى الطبعة المستوفية لشرائط الصحة والقبول، وهذه الشرائط ظاهرة لائحة لمن يتأملها، وتتمثل في التقديم للكتاب، وبيان وزنه العلمي، وفهرسته فهرسة فنية، تكشف عن كنوزه وخباياه، والعناية بضبطه الضبط الصحيح، والتعليق عليه بما يضيئه، ويربطه بما قبله وبما بعده، في غير سرف ولا شطط، ثم في الإخراج الطباعي، المتمثل في وجود الورق، ونصاعة الحرف الطباعي.
وقد حظى تراثنا - ولله الحمد والمنة - منذ ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي، إلى يوم الناس هذا، بعلماء كبار، في الشرق والغرب، توفروا على إخراجه الإخراج العلمي الصحيح، وطابعين مهرة، أظهروه في حلل زاهية، لكنه ظهر إلى جانب هؤلاء، ناشرون متساهلون، وطابعون متعجلون، أرادوا ثراء المال من أيسر سبيل. فأعرف أيها الطالب وأنكر، وأقبل وأعرض، على ما وصفت لك، تستقم دراستك، وتمض إلى ما تريد لها من كمال وإتقان.
* * *
وأحب أن يكون واضحًا، أنني اكتفيت بذكر أهم وأبرز كتب التراجم، وأضربت عما هو دونها في الشهرة، مدركًا لقيمة هذا الذي تركت وجدواه، فعلت ذلك تخفيفًاَ وتيسيرًا على الناشئة والشداة من طلبة
_________
(١) انظر كتابى، مدخل إلى تاريخ نشر التراث ص٧.
1 / 22
العلم. وعلى سبيل المثال، فقد اكتفيت في تراجم اللغويين والنحاة بثلاثة مراجع، وسكت عن أخبار النحويين البصريين، للسرافى، وطبقات النحويين واللغويين، لأبي بكر الزبيدي، ومراتب النحويين، لأبي الطيب اللغوي. وفي طبقات الصحابة والتابعين، تركت تهذيب الأسماء واللغات للنووي. وفي طبقات الفقهاء، تركت تاج التراجم، في طبقات الحنفية، لابن قطلوبغا، وفي طبقات الشافعية، تركت طبقات أبي عاصم العبادي، طبقات الفقهاء (١)، لأبي إسحاق الشيرازي، وطبقات المصنف، المعروفة بطبقات أبي هداية الله، وتبيين كذب المفترى، للحافظ ابن عساكر. وفي طبقات الحنابلة، لم أثبت المنهج الأحمد، للعليمي، لأنه لم يطبع منه سوى جزءين. وفي كتب تراجم الأندلسيين والمغاربة، تركت العدد الوفير - وكان حبيبًا إلى أن أذكره - لندرته في أسواق المشرق العربي (٢) . وفي مراجع التراجم العامة، سكت أيضًا عن كتب ذوات عدد، للتخفيف والاختصار؛ ولأن فيما ذكرت مقنعًا وبلاغًا، إن شاء الله.
* * *
وأحب أيضًا قبل أن أدع مقامي هذا أن أنبه إلى حقيقتين جديرتين بالاهتمام:
_________
(١) وفيه تراجم لغير الشافعية من الفقهاء.
(٢) وهذه قضية أخرى، وقد عالجتها في بعض ما كتبت.
1 / 23
الحقيقة الأولى: "أنه لا يغني كتاب عن كتاب". فقد شاع في كتابات بعض الدارسين المحدثين، أن كتب التراث ذات الموضوع الواحد، تتشابه فيما بينها، وأن غاية اللاحق أن يدخل على ما تركه السابق، يدور حوله، ويردد مباحثه وقضاياه. ثم أفضى ذلك الزعم إلى دعوة صاخبة، تنادى بغربلة التراث وتصفيته؛ بالإبقاء على النافع المفيد، وترك ما عداه مستقرا في المتاحف كمومياء الفراعنة، يذكر بتطور الخطوط، وقواعد الرسم، وتاريخ صناعة الورق.
فإذا قلت لهذا الزاعم: ماذا نأخذ وماذا ندع؟ حار وأبلس (١)، واعتصم بسراديب التفكير الموضوعي، ومناهج البحث العلمي، وأشباه ذلك من تلك التهاويل الفارغة من الحقيقة. فإذا اضطررته أضيق الطرق، وأخذته إلى فن واحد من فنون التراث، ونثرت أمامه مصنفات ذلك الفن، ثم طلبت إليه أن يختار ما يستحق أن يبقى عليه، وما هو جدير بأ، ينحى، شغب ونازع؛ لأنه لا يملك أدوات الحكم على هذا الموروث؛ لبعده عنده، وخفائه عليه، ولم يجد بدا من العودة كرة أخرى إلى التكفير الموضوعي، والبحث العلمي، يسلبهما منك، ملقيًا بك في ردغة (٢) الحبال، وظلمات الجهل، وبيداء التخلف.
_________
(١) أبلس: أي سكت من الحزن أو الخوف. والإبلاس: الحيرة. ومنه قوله تعالى: ﴿فإذاهم مبلسون﴾ الأنعام ٤٤، ومنه سمى إبليس؛ لأنه أبلس عن رحمة الله: أي يئس منها وتحير.
(٢) الردغة: بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير. وفي الحديث: "من قال في مؤمن ما ليس فيه حسبه الله في ردغة الخبال" وجاء تفسيرها في الحديث: "أنها عصارة أهل النار" النهاية ٢/٢١٥.
1 / 24
وقد يسايرك بعضهم، آخذًا بالنصفة والبراءة، قائلًا: نقف عند القرون الخمسة الأولى؛ لأنها قرون الإبداع والخلق (١) . فقال له: إن الخالفين من القرون اللاحقة قد أضافوا إلى ميراث تلك القرون السابقة إضافات صالحة، كشفت عن خبيئة، بل إنهم قد استخرجوا من علم الأوائل علمًا آخر، مصبوغًا بصبغتهم، موسومًا بسمتهم، ملبيًا حاجات عصرهم، مفجرا طاقات عظيمة من هذا العقل العربي، الذي ما فتىء يغلي ويموج، كالبحر الهادر (٢) .
_________
(١) هكذا يستعملون تلك الكلمة، مرادفة لمعنى الإنتاج الفكري الذي لم يسبق إليه صاحبه، وهم يعتزون كثيرًا بتلك الكلمة، ويشتقون منها صيغة مبالغة، فيقولون: "جهد خلاق" وهي كلمات غثه باردة، إذا استعملت في مجال أعمال البشر. ولكن هكذا قدر الله وقضى، أن نتجرع هذه الغصص، في الصحيفة المقروءة، والكلمة المسموعة، والقصة المحكية! ولا يحتجن أحدّ علينا بأن الاشتقاق اللغوي لا يأبى ذلك، فإن لهذا كلامًا آخر.
(٢) يقول الدكتور محمد أبو موسى: "ونقلت هنا إلى شيء مهم، وهو أن اجتهاد أهل الاجتهاد من أئمتنا الكلمة رضوان الله عليهم، لم يكن اجتهادًا في استخراج مسألة من مسألة، أو في استخراج باب من باب، وإن كان ذلك نفيسًا وهو علينا عزيز، وإنما كان يكون اجتهادا في استخراج علم من علم ... " ثم يقول عن الشيخ عبد القاهر: "تأمل بحث القصر الذي أسسه على محاوره ذكية مع نص نقله=
1 / 25