360

ويقال لهم في إباحتهم لأهل الكفر: ما حرم الله عليهم من نكاح ذوات المحارم، وشرب المسكرات، وأكل الميتة والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وأكل الربا، وأخذ أموال المواريث على غير ما هي من قسمة شرائع الرسل، أخبرونا عن هذه الأشياء إذا اختلف فيها أهل الفكر فيما بينهم، فأحل قوم ما حرم آخرون، وقسم قوم قسمة، وقسم آخرون أخرى، ووقعت بينهم مشاكسة فيما يأخذون ويعطون من الدية والجروح والقصاص، والقود في الأنفس، وسائر ذلك من أمور شرائع الأنبياء؟ فما المرجوع إليه في هذا لهم؟ وهم لا يعرفون شريعة (¬1) ، ولا يثبتون رسولا، وقد وجدنا أهل الإقرار بالشرائع المثبتين للرسل والسنن، مع إجماعهم على أن لهم أصولا يرجعون إليها فيما يختلفون فيه، قد كثر بينهم التنازع، وكيف بمن لا يثبت رسولا، ولا يقول بشريعة؟ وبعد كيف الحكم إذا قامت حجة الرسل بالتحريم على الأخت وهي تحت الأخ، وعلى البنت وهي تحت الأب، ولم تقم بذلك حجة الشرائع على الأخ ولا على الأب؟ والحجة عندكم قليلا ما تقوم على حد إلا بأن يتفق عليه المختلفون، المتشتتة أهواؤهم، المتفرقة آراؤهم لبعدهم من التعارف، وتباينهم على التواطؤ، مع عدم احتراز منافعهم، ودفع مضارهم. فمتى يتفق قيام الحجة على هذا الجواب؟ وقد أحسن الإمام رضي الله عنه حيث يقول: فما يستدل به على هذا القول بأقبح منه، مع كثرة اختلاف أقاويلكم في قيام حجتكم على المفكر فيما يسعه جهله عندكم، من مثل هذا على ما سيأتي عند ذكر أقوال المختلفين في الحجة فيما يسع الناس جهله، بعقب هذا الباب إن شاء الله.

¬__________

(¬1) الشريعة: هي مورد الإبل إلى الماء الجاري، ثم استعير لكل طريقة موضوعة بوضع إلهي ثابت من نبي من الأنبياء، والشريعة: اسم للأحكام الجزئية التي يتهذب بها المكلف معاشا ومعادا، سواء كانت منصوصة من الشارع أو راجعة إليه. راجع الكليات 3: 56.

Страница 164