وأما قولهم: لو جاز أن يقدرنا الله على أفعالنا _وهي خلقه_ لجاز أن يقدرنا على أسماعنا وأبصارنا، وسائر ذلك من الخلق _وهي خلقه_ فالجواب عن هذا أن نقول: لم يقدرنا على أفعالنا أن نخلقها، ولا أن نجعلها في أعيانها على ما هي به موافقة لما وافقت، ومخالفة لما خالفت من الأشياء، وإنما أقدرنا عليها لنتحرك بها، ونسكن، ونطيع، ونعصي، ونؤمن، ونكفر، وليس في أن أقدرنا على أفعالنا أن نتحرك بها، ونسكن، ونطيع بها ونعصي _إذ هي خلقه_ ما يوجب أن يكون يقدرنا على أن نفعل أسماعنا وأبصارنا، وغير ذلك من الخلق، كما أنا جميعا نقول: إنه قد أقدرنا على أفعالنا _وهي معلومة له، وهي غيره_، وليس في أن أقدرنا على أن نفعلها وهي معلومة له _وهي غيره_ ما يوجب أن يكون يقدرنا على جميع معلوماته، وعلى جميع ما هو غيره.
وقد كنت أنبأتك أول هذا الباب أن مسائل القوم مأخوذة من مقالتهم نفسها، معلومة من أصل دعواهم (¬1) وبعضها من بعض، وقد يأتي على جميعها جواب واحد، وإنما أجبنا عن كل واحدة لتفرقتهم إياها في أصل سؤالهم.
باب مسائل القدرية ب: هل ثم:
وسألت القدرية فقالوا: هل ثم إلا الله وما خلق؟ قالوا: فإن قلتم: ليس ثم إلا الله وما خلق، قيل لكم: عذب الكافر، على ماذا عذبه؟ على نفسه أو على خلقه؟ فإن قلتم: عذبه على نفسه فينبغي أن يكون عذب جميع خلقه لعلة نفسه، وإن قلتم: عذبه على خلقه فينبغي أن يعذب جميع خلقه لعلة خلقه، وقالوا: هل ثم إلا الله وما خلق؟ فإن قلتم: ليس ثم إلا الله وما خلق، قيل: غضب على الكافر، مماذا غضب من نفسه أو من خلقه؟ فإن قلتم: غضب من نفسه، ففيه ما فيه، وإن قلتم: غضب من خلقه فينبغي أن يغضب من جميع خلقه، وهذا أفسد الفساد.
¬__________
(¬1) يراجع ما كتبه الأشعري في مقالات الإسلاميين، حيث حكى الكثير من هذه الأقوال 2: 80 81 وما بعدها.
Страница 37