المسيح أقنومان وطبيعتان: أقنوم لاهوتي وطبيعة لاهوتية، وأقنوم ناسوتي، وطبيعة ناسوتية، وأن كل واحد منهما في الاتحاد قائم بذاته، حافظ لجوهره، وإن هذه الفرق تزعم أن الابن كلمة الأب الأزلي، وأن الأب إنما يعلم الأشياء بكلمته، وأن روح القدس هو الحياة التي من أجلها وجب أن يكون الأب حيا. فهذا جملة ما يتفقون فيه ويختلفون، ونحن سائلوهم جميعا مسألة واحدة: أخبرونا عن هذه الأقانيم الثلاثة أكل واحد منها غير الآخر، أم كل واحد منها هو الآخر؟ فإن قالوا: كل واحد منها هو الآخر، قيل لهم: فلم جعلتموها ثلاثة، ولم تقولوا فيما بينها بالمغايرة؟ وهل العدد نفسه إلا المغايرة؟ أو هل المغايرة معناها إلا العدد؟ فقولكم: ثلاثة يثبت المغايرة، وقولكم كل واحد من الأقانيم هو الآخر ينفي المغايرة، فقد أثبتم بكلامكم ما نفيتم، ونفيتم ما أثبتم، وإن قالوا: إن كل واحد من الأقانيم غير الآخر، قيل لهم: فهل تبينون كل واحد منها عما سواه بصفة أو لا تبينونه من غيره بصفة؟ فإن قالوا: لا نبين كل واحد من الأقانيم عن صاحبه بصفة عاد عليهم الكلام الأول بأن الأقانيم الثلاثة واحد من الأقانيم عن صاحبه بصفة، عاد عليهم الكلام الأول بأن الأقانيم الثلاثة واحد، وإنما عبروا عنها بلفظ الثلاثة، وهي في الحقيقة واحد، ولا فائدة ها هنا في ذكر الثلاثة، وإن قالوا: كل واحد منها موصوف بصفة غير صفة صاحبه أثبتوا فيها الأعراض والتغاير، وأبطلوا عنها أن تكون قديمة، ويدخل عليهم جميعا ما أدخلناه على الدهرية وأشياعهم من إثبات حدوث جميع ما يوصف بالأعراض والتغاير، ويقال لهم: أخبرونا عن المسيح أليس هو ابن الله؟ تعالى الله عن ذلك، فإن قالوا: نعم، قيل لهم: أخبرونا عن الروح التي هي فيه من اللاهوت (¬1)
¬__________
(¬1) عند "أوجست كونت" الحالة اللاهوتية: هي الحالة الأولى من حالات العقل، وفيها يبحث عن كنه الكائنات وأصلها ومصيرها، وقد تدرج في ذلك ثلاث درجات.
كانت الأولى: الفيتشية، وفيها يضيف إلى الكائنات الطبيعية حياة روحية شبيهة بحياة الإنسان.
وكانت الدرجة الثانية: تعدد الآلهة، وهي أكثر الدرجات تمييزا للحالة اللاهوتية، يسلب فيها عن الكائنات الطبيعية ما خلع عليها من حياة، ويضيف أفعالها إلى موجودات غير متطورة تؤلف عالما علويا.
وكانت الدرجة الثالثة: التوحيد، أي الاعتراف بإله واحد فرد صمد. انظر علم اللاهوت، والمعجم الفلسفي: مراد وهبه 264.
Страница 107