المحيط في اللغة
تأليف: كافي الكفاة، الصاحب، إسماعيل بن عباد (٣٢٦ - ٣٨٥ هـ)
بتحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين
عالم الكتب
1 / 1
«المحيط» في اللغة للصاحب بن عباد، المتوفى سنة ٣٨٥ هـ، معجم شهير معروف، تردَّد ذكره كثيرًا في بحوث اللغة وكتب التاريخ والتراجم والطبقات (^١)، وأفاد منه الكثير من أعلام اللغة وفضلائها فيما اطلعنا عليه من معجماتهم ومؤلفاتهم القيمة (^٢)، ونسخه الناسخون لأنفسهم ولغيرهم بالأجرة (^٣) عصرًا بعد عصر، ونال مقامًا بارزًا في الدراسات اللغوية بكل جدارة واستحقاق؛ فأصبح المعنيُّ بالتاريخ الموسوعي للغة العربية ملزمًا بذكر هذا الكتاب وبإعطائه ما يستحقه من الاهتمام (^٤).
وتلك حقيقة جلية لا تحتاج إلى مزيد بيان.
وحسبنا في إيجاز التعريف به أنْ نعرف أنَّ هذا الكتاب بما ضمَّ بين دفتيه
_________
(^١) معجم الأدباء:٦/ ٢٦٠ ووفيات الأعيان:١/ ٢٠٨ ومعاهد التنصيص:٢/ ١٥٧ والبداية والنهاية: ١١/ ٣١٦ وبغية الوعاة:١٩٧ وشذرات الذهب:٣/ ١١٤ وكشف الظنون:٢/ ١٦٢١.
(^٢) كفقه اللغة للثعالبي (ت ٤٢٩ هـ):٢٢ و٢٦١، والعباب والتكملة والذيل والصلة للصغاني (ت ٦٥٠ هـ):١/ ٨، والقاموس المحيط للفيروزابادي (ت ٨١٦ هـ):١/ ٣٥٩ و٢/ ٢٣١ ومواضع أخرى، وتاج العروس للزبيدي (ت ١٢٠٥ هـ):١/ ٣٩، وفي كثير من صفحاته.
(^٣) انباه الرواة:١/ ٢٠١.
(^٤) كالدكتور إبراهيم أنيس في كتابه دلالة الألفاظ:٢٤٢ (الطبعة الثالثة، القاهرة،١٩٧٦ م) والدكتور حسين نصار في كتابه المعجم العربي: نشأته وتطوره:١/ ٣٦٠ - ٣٧١ (الطبعة الثانية، القاهرة، ١٩٦٨ م).
1 / 9
من ثروة لغوية ضخمة قد مثَّل لنا-بكل صدقٍ وشموخ-ذلك التطور العظيم في العمل المعجمي في القران الرابع الهجري، بما شهد من أعمال القالي والأزهري وابن فارس والجوهري واضرابهم من الجهابذة المدققين.
ومن هنا كان لا بد من الاهتمام بهذا المعجم ومن إخراجه للناس المعنيين، تحفة من تحف التراث الخالد وحلقة مضيئة من حلقات الجهد المعجمي المشرِّف؛ التي ابتدأها الخليل الفراهيدي ب «عينه» وما زالت متسلسلة حتى اليوم وإلى ما بعد اليوم، إن شاء الله.
***
إن مؤلِّف الكتاب هو الصاحب، كافي الكفاة، أبو القاسم، إسماعيل بن عبّاد بن العباس بن أحمد بن إدريس، الطالقاني، الأصبهاني (^٤) (/أ)، المولود في اليوم السادس عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة ٣٢٦ هـ (^٥) في أصح الروايات، والمتوفى عام ٣٨٥ هـ (^٦)، والمدفون في تربته الخاصة بأصبهان (^٧).
اتصل في أوائل شبابه بأبي الفضل محمد بن العميد وزير ركن الدولة بن
_________
(^٤) (/أ) أخبار اصبهان:١/ ٢١٤ و٢/ ١٣٨ ومحاسن اصفهان:١٣ و٩٨ ويتيمة الدهر:٣/ ٢٦٧ والأنساب:٣٦٤ ومعالم العلماء:١٣٦ ومعجم الأدباء:٦/ ١٦٨ ومعجم البلدان:٦/ ٨ ووفيات الأعيان:١/ ٢٠٦ ومعاهد التنصيص:٢/ ١٥٢ والبداية والنهاية:١١/ ٣١٤ والنجوم الزاهرة: ٤/ ١٧٠ وبغية الوعاة:١٩٦ وشذرات الذهب:٣/ ١١٣.
(^٥) أخبار اصبهان:١/ ٢١٤ ومعجم الأدباء:٦/ ٢٠٨ ووفيات الأعيان:١/ ٢٠٩ وتاريخ أبي الفداء: ٢/ ١٣٠ ومعاهد التنصيص:٢/ ١٥٢ ولسان الميزان:١/ ٤١٤ وشذرات الذهب:٣/ ١١٥.
(^٦) أخبار اصبهان:١/ ٢١٤ وانباه الرواة:١/ ٢٠٢ ونزهة الألباء:٤٠١ ويتيمة الدهر:٣/ ٢٥٣ وذيل تجارب الأمم:٢٦١ ووفيات الأعيان:١/ ٢٠٩ والكامل:٧/ ١٦٩ والمنتظم:٧/ ١٧٩ وتاريخ ابن خلدون:٤/ ٤٦٦ ونهاية الأرب:٣/ ١٠٨ والنجوم الزاهرة:٤/ ١٦٩ ومعجم الأدباء:٦/ ١٧١ ولسان الميزان:١/ ٤١٤ ومعاهد التنصيص:٢/ ١٦١ وتاريخ أبي الفداء:٢/ ١٣٠ ومصادر أخرى.
(^٧) ذيل تجارب الأمم:٢٦٢.
1 / 10
بويه صلَةَ التلميذ بالأستاذ، ثم ازدادت هذه الصلة متانة فأصبح ابن عباد كاتبًا لابن العميد (^٨)، فأبدى من الكفاية والمقدرة ما أثار الإعجاب والتقدير.
وحينما عزم الأمير أبو منصور بويه بن ركن الدولة على زيارة بغداد في سنة ٣٤٧ هـ لم يجد مَنْ يصلح لمرافقته والكتابة له في هذه الرحلة سوى ابن عباد (^٩)، فكانت صحبة السفر-هذه-مفتاحًا لعلاقةٍ توطَّدتْ بينهما على مرِّ الأيام، فحصل للصاحب «عنده بقِدَم الخدمة قَدَم، وأنس منه مؤيد الدولة كفاية وشهامة فلقَّبه بالصاحب كافي الكفاة» (^١٠).
ولما توفي أبو الفضل ابن العميد سنة ٣٦٠ هـ وولي ابنه أبو الفتح منصبه في الوزارة، أبقى الصاحب على حاله السابقة أيام أبيه في الكتابة والصحبة، حتى إذا مات ركن الدولة بن بويه سنة ٣٦٦ هـ ورجعت الأمور إلى الأمير مؤيد الدولة خاف ابن العميد من الصاحب-بحكم علاقته المتينة بالأمير-؛ فبعث الجند على الشغب وهمّوا بقتل الصاحب (^١١)، فرأى مؤيد الدولة أن من الحكمة إبعاد ابن عباد-ريثما تنفرج الأزمة-فأبعده إلى اصبهان، وما ان لبث هناك مدة وجيزة من الزمن حتى تَمَّ لمؤيد الدولة ما دبَّره من الحيلة في قتل ابن العميد والتخلص منه (^١٢) ف «استدعى ابن عباد من اصفهان، وولي الوزارة، ودبَّرها برأي وثيق» (^١٣).
وحينما توفي مؤيد الدولة سنة ٣٧٣ هـ-ولم يكن قد عهد بالأمر لأحدٍ من بعده-عمل الصاحب على أن يكون ذلك لفخر الدولة بن ركن الدولة. فلما
_________
(^٨) معجم الأدباء:٦/ ١٧٢.
(^٩) تجارب الأمم:٦/ ١٦٨.
(^١٠) معجم الأدباء:٦/ ١٧٢.
(^١١) معجم الأدباء:١٤/ ١٩٤.
(^١٢) المصدر السابق:١٤/ ٢٠٦ - ٢١٠ و٢١٩ - ٢٢٧.
(^١٣) المصدر نفسه:١٤/ ٢٢٧.
1 / 11
انتظم الأمر لفخر الدولة «خلع على الصاحب خِلَعَ الوزارة، وأكرمه وعظَّمه، وصدر عن رأيه في جليل الأمور وصغيرها» (^١٤).
وبقي الصاحب وزيرًا لفخر الدولة حتى أدركته المنية في سنة ٣٨٥ هـ.
وكان قد نال من المقام والاحترام والأُبَّهة أيام وزارته ما لم ينل مثله أحدٌ من أمثاله (^١٥).
***
ألَّف وصنَّف ما وسعه وقته وأسعفه جهده، وبلغت مؤلفاته في إحصاء بعض المتقدمين (١٨) كتابًا (^١٦)، ثم ارتفع العدد في إحصاءات المتأخرين حتى بلغ (٣٠) (^١٧) و(٣١) (^١٨) و(٣٧) (^١٩)، وقد طبع منها-فيما نعلم-ما نسرده فيما يأتي بحسب التسلسل الهجائي:
١ - الإبانة عن مذهب أهل العدل (بتحقيق محمد حسن آل ياسين.
النجف ١٣٧١ هـ، بغداد ١٣٨٣ هـ).
٢ - الإِقناع في العروض وتخريج القوافي (بتحقيق محمد حسن آل ياسين. بغداد ١٣٧٩ هـ).
٣ - الأمثال السائرة من شعر المتنبي (بتحقيق محمد حسن آل ياسين.
_________
(^١٤) ذيل تجارب الأمم:٩٣ والكامل:٧/ ١١٧ - ١١٨.
(^١٥) يراجع في تفصيل ذلك: الإِمتاع والمؤانسة:١/ ٥٤ و٦١ وكمال البلاغة:٧٦ - ٧٧ ويتيمة الدهر:٣/ ١٦٩ - ١٧٠ و١٧٩ - ١٨٠ وإنباه الرواة:١/ ٢٠٢ ومعجم الأدباء:٦/ ١٩٠ و٢٣٨ - ٢٣٩ و٢٤٥ - ٢٤٨ و٢٥٢.
(^١٦) معجم الأدباء:٦/ ٢٦٠.
(^١٧) أعيان الشيعة:١١/ ٤٢٧ - ٤٣١.
(^١٨) الغدير:٤/ ٤١ - ٤٢.
(^١٩) مقدمة الهداية والضلالة:٢٠ - ٢٢.
1 / 12
بغداد ١٣٨٥ هـ).
٤ - التذكرة في الأصول الخمسة (بتحقيق محمد حسن آل ياسين. بغداد ١٣٧٣ هـ).
٥ - ديوان الصاحب بن عباد (بتحقيق محمد حسن آل ياسين. بغداد ١٣٨٤ هـ، بيروت ١٣٩٤ هـ).
٦ - رسالة في أحوال عبد العظيم الحسني (بتحقيق محمد حسن آل ياسين. بغداد ١٣٧٤ هـ).
٧ - رسالة في الطب (وردت بالنص في المختار من رسائل الصاحب:
٢٢٨ - ٢٢٩ ويتيمة الدهر:٣/ ١٨٠ - ١٨٢).
٨ - رسالة في الهداية والضلالة (بتحقيق الدكتور حسين محفوظ. طهران ١٣٧٤ هـ).
٩ - الروزنامجة (جمع وتحقيق محمد حسن آل ياسين. بغداد ١٣٧٧ هـ، بغداد ١٣٨٥ هـ).
١٠ - عنوان المعارف وذكر الخلائف (بتحقيق محمد حسن آل ياسين.
النجف ١٣٧١ هـ، بغداد ١٣٨٣ هـ، بغداد ١٣٨٥ هـ).
١١ - الفرق بين الضاد والظاء (بتحقيق محمد حسن آل ياسين. بغداد ١٣٧٧ هـ).
١٢ - الفصول الأدبية (بتحقيق محمد حسن آل ياسين. دمشق ١٩٨٢ م).
١٣ - الكشف عن مساوئ شعر المتنبي (بتحقيق محمد حسن آل ياسين.
بغداد ١٣٨٥ هـ).
1 / 13
١٤ - المختار من رسائل الصاحب بن عباد (بتحقيق عبد الوهاب عزام وشوقي ضيف. القاهرة ١٣٦٦ هـ).
وتنحصر مؤلفات ابن عباد اللغوية بالكتب الآتية:
١ - كتاب الفرق بين الضاد والظاء:
نُشِر ببغداد سنة ١٣٧٧ هـ-١٩٥٨ م عن النسخة الفريدة المحفوظة بمكتبة الفاتح بتركيا المكتوبة سنة ٥٢٠ هـ.
جمع فيه الصاحب مجموعة كبيرة من المفردات الضادية والظائية المتداولة في الاستعمال، وسجَّل خلال ذلك آراءه الخاصة في بعض المرويّات، كقوله عند استشهاده ببيتٍ لأبي الشيص الخزاعي: «ليس شعره حجة» (^٢٠)، وفي مادة نضر: «النضر: الذهب، والنضير أجود» (^٢١)، وفي مادة ضرب يرى عدم صحة قولهم: «ضربه البرد» (^٢٢)، وفي بعض الأحيان يورد كلمة فيقول: «بالظاء والضاد لغتان» ثم يعلِّق على ذلك بأن «الظاء أصح» (^٢٣) أو «أجود» (^٢٤)، وهكذا.
٢ - جوهرة الجمهرة:
اختصر بها كتاب الجمهرة لابن دريد.
سماها بالنص المذكور في أعلاه عدد من المؤرخين (^٢٥)، وأطلق عليها
_________
(^٢٠) الفرق بين الضاد والظاء:٥.
(^٢١) المصدر السابق:٢١.
(^٢٢) المصدر نفسه:٢٥.
(^٢٣) المصدر نفسه أيضًا:٣٤.
(^٢٤) المصدر السابق:٤٠.
(^٢٥) نزهة الألباء:٣٩٩ ومعجم الأدباء:٦/ ٢٦٠ وانباه الرواة:١/ ٢٠٣ وبغية الوعاة ١٩٧.
1 / 14
بعضهم اسم «الجوهرة» (^٢٦)، أو «جوهر الجمهرة» (^٢٧)، وأخبر الشيخ آقا بزرك الطهراني بوجود نسخة مخطوطة من الكتاب في الكاظمية (^٢٨)، وأرجو الله أن يوفقني إلى إنجاز تحقيقها في وقت قريب.
٣ - كتاب الحجر:
قال ابن فارس: «أخبرني علي بن أحمد بن الصباح قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا ابن أخي الأصمعي عن عمه: إن الرشيد سأله عن شعرٍ لأبي حزام العكلي، ففسَّره، فقال: يا أصمعي إن الغريب عندك لَغَيْر غريب، فقال: يا أمير المؤمنين ألا أكون كذلك وقد حفظتُ للحجر سبعين اسمًا، وهذا كما قال الأصمعي. ولكافي الكفاة-أدام الله أيامه وأبقى للمسلمين فضله-في ذلك كتاب مجرد» (^٢٩).
ووصفه الثعالبي بأنه «دفيتر»، واستفاد منه في كتابه فقه اللغة (^٣٠).
٤ - المحيط:
وهو المعجم الذي نقدِّم له في هذه الصفحات، وقد سار فيه مؤلفه على منهج الخليل في العين؛ سواءًا فيما يتعلق بتسلسل الحروف مقسمة على مخارجها الصوتية؛ أو بترتيب الأبواب داخل كل حرف، ابتداءً بباب المضاعف الثنائي، ثم باب الثلاثي الصحيح، ثم باب الثلاثي المعتل، ثم باب اللفيف، ثم باب الرباعي، ثم باب الخماسي.
_________
(^٢٦) تاج العروس:١/ ٣٩ وكشف الظنون:١/ ٦٠٦.
(^٢٧) كشف الظنون:١/ ٦١٩.
(^٢٨) الذريعة:٥/ ٢٩٢.
(^٢٩) الصاحبي:١٥ - ١٦.
(^٣٠) فقه اللغة:٤٣٩.
1 / 15
وفي الكتاب بعض الشواهد الشعرية ولكنها قليلة.
***
قرأ الصاحب على لفيفٍ من علماء عصره وأدبائه وروى عنهم (^٣١)، و«سَمع بالعراق والري وأصبهان الكثير» (^٣٢)، وتملَّك مكتبةً حافلة بأنفس الكتب وأغلاها بلغ تعدادها-فيما حدَّث به هو نفسه- «مائتين وستة آلاف مجلد» (^٣٣)، ويقال انها كانت حمل سبعمائة بعير (^٣٤)، وفي رواية السيوطي: إن كتب اللغة وحدها كانت حمل ستين جملًا (^٣٥).
وأصبح الصاحب بفضل تلك التلمذة الواعية وهذه المكتبة القيمة «أوحد زمانه علمًا وفضلًا» (^٣٦)، حتى صحّ أن يقال فيه انه «مع شُهرته بالعلوم وأخْذِه من كل فنٍّ منها بالنصيب الوافر، والحظِّ الزائد الظاهر، وما أوتيه من الفصاحة، ووُفقِّ لحُسن السياسة والرجاحة-مستغنٍ عن الوصف، مكتفٍ عن الإِخبار عنه والرصف» (^٣٧).
ولمّا كنّا-في هذه المقدمة-نُعْنى بالجانب اللغوي لدى ابن عباد دون غيره من الجوانب، كان لا بد من وقفة فاحصة عند أساتذته في هذا الفن ومصادره التي رجع إليها، ليكون تقويمنا لعمله في كتابه أقرب إلى الدقة
_________
(^٣١) أخبار أصبهان:١/ ٢١٤ والأنساب:٣٦٤ ومعجم الأدباء:٦/ ٢٧٩ ووفيات الأعيان:١/ ٢٠٦ ولسان الميزان:١/ ٤١٣ وبغية الوعاة:١٧٦ وشذرات الذهب:٣/ ١١٤ وأمل الآمل:٤٢.
(^٣٢) أخبار اصبهان:١/ ٢١٤.
(^٣٣) معجم الأدباء:١٣/ ٩٧. ويراجع في أخبار هذه المكتبة: المنتظم:٧/ ١٨٠ والكامل:٧/ ١٦٩ ومعجم الأدباء:٤/ ٢١٤ - ٢١٥ و٦/ ٢٥٩ وتاريخ ابن خلدون:٤/ ٤٦٦.
(^٣٤) عمدة الطالب:١٩٥.
(^٣٥) المزهر:١/ ٥٩.
(^٣٦) تاريخ ابن خلدون:٤/ ٤٦٦.
(^٣٧) معجم الأدباء:٦/ ١٧١.
1 / 16
والموضوعية والمعرفة الصادقة.
لقد اعتمد الصاحب في تكوين ثقافته اللغوية على الأساتذة الذين نذكرهم فيما يأتي:
١ - ابن العميد:
«أبو الفضل، محمد بن الحسين: عين المشرق، ولسان الجبل، وعماد ملك آل بويه، وصدر وزرائهم، وأوحد العصر في الكتابة وجميع أدوات الرئاسة وآلات الوزارة، والضرب في الآداب بالسهام الفائزة، والأخذ من العلوم بالأطراف القوية. يُدْعى الجاحظ الأخير، والأستاذ والرئيس. يُضرَب به المثل في البلاغة، ويُنتهى إليه في الإِشارة بالفصاحة والبراعة، مع حسن الترسل وجزالة الألفاظ وسلاستها، إلى براعة المعاني ونفاستها. وما أحسن وأصدق ما قال الصاحب-وقد سأله عن بغداد عند منصرفه عنها-: بغداذ في البلاد كالأستاذ في العباد.
وكان يقال: «بُدئت الكتابة بعبد الحميد وخُتمت بابن العميد» (^٣٨).
ولد في آخر سنةٍ من القرن الثالث أو أول سنةٍ من القرن الرابع. وتولّى الوزارة لركن الدولة بعد وفاة أبي علي القمي سنة ٣٢٨ هـ وكان عمره دون الثلاثين.
«كان أكتب أهل عصره وأجمعهم لآلات الكتابة: حفظًا للُّغة والغريب، وتوسُّعًا في النحو والعروض، واهتداءً إلى الاشتقاق والاستعارات، وحفظًا للدواوين من شعراء الجاهلية والإِسلام» (^٣٩)، ويُعَدُّ-بحقٍّ-من أبرز أساتذة ابن
_________
(^٣٨) يتيمة الدهر:٣/ ١٣٧.
(^٣٩) تجارب الأمم:٦/ ٢٧٥.
1 / 17
عباد وأكثرهم أثرًا فيه ووقعًا في نفسه (^٤٠).
توفي سنة ٣٦٠ هـ (^٤١).
٢ - أبو بكر بن كامل:
«أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة بن منصور بن كعب بن يزيد، أبو بكر، القاضي، أحد أصحاب محمد بن جرير الطبري، وكان من العلماء بالأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر وأيام الناس وتواريخ أصحاب الحديث» (^٤٢).
وصفه الصاحب بن عباد فقال:
«القاضي أبو بكر بن كامل بقيَّة الدنيا في علوم شتى، يعرف الفقه والشروط والحديث، وما ليس من حديثنا، ويتوسَّع في النحو توسعًا مستحسنًا، وله في حفظ الشعر بضاعة واسعة، وفي جودة التصنيف قوة تامة، ومن كبار رواة المبرّد وثعلب والبحتري وأبي العيناء وغيرهم. وقد سمعتُ قدرًا صالحًا مما عنده» (^٤٣).
ومن مؤلفاته في علوم اللغة:
كتاب غريب القرآن.
كتاب القراءات.
كتاب التقريب في كشف الغريب (^٤٤).
_________
(^٤٠) وفيات الأعيان:١/ ٢٠٦ وبغية الوعاة:١٩٦ وشذرات الذهب:٣/ ١١٤ وأمل الآمل:٤٢.
(^٤١) وفيات الأعيان:٤/ ١٨٩.
(^٤٢) انباه الرواة:١/ ٩٧.
(^٤٣) الروزنامجة:١٠٠ - ١٠١.
(^٤٤) الفهرست:٣٥.
1 / 18
توفي سنة ٣٥٠ هـ (^٤٥).
٣ - أبو بكر بن مقسم:
«محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن عبيد الله بن مقسم، أبو بكر، العطار، المقري، النحوي .. ولد سنة ٢٦٥ هـ، وسمع أبا مسلم الكجي وثعلبًا ويحيى بن محمد بن صاعد ..... وكان من أعرف الناس بالقراءات وأحفظهم لنحو الكوفيين» (^٤٦).
يقول فيه الصاحب بن عباد:
«أبو بكر بن مقسم: وما في أصحاب ثعلب أكثر درايةً وما أصح روايةً منه، وقد سمعتُ مجالسه، وفيها غرائب ونكت، ومحاسن وطرف، من بين كلمة نادرة، أو مسألة غامضة، وتفسير بيت مشكل، وحلِّ عقد معضل، وله قيام بنحو الكوفيين وقراءاتهم وروايتهم ولغاتهم» (^٤٧).
وله من الكتب في العلوم اللغوية:
كتاب المدخل إلى علم الشعر.
كتاب احتجاج القراءات.
كتاب في النحو-كبير-.
كتاب المقصور والممدود.
كتاب المذكر والمؤنث.
كتاب الوقف والابتداء (^٤٨).
_________
(^٤٥) معجم الادباء:٤/ ١٠٣.
(^٤٦) بغية الوعاة:٣٦.
(^٤٧) الروزنامجة:٩٩ - ١٠٠.
(^٤٨) الفهرست:٣٦.
1 / 19
توفي سنة ٣٥٤ هـ (^٤٩).
٤ - السيرافي:
أبو سعيد، الحسن بن عبد الله بن المرزبان، النحوي، المعروف بالقاضي السيرافي. «سكن بغداذ ..... وولي القضاء ..... وكان يدرس القرآن والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والكلام والشعر والعروض والقوافي والحساب وعلومًا سوى هذه» (^٥٠).
تحدَّث عنه الصاحب فقال:
«وانتهيتُ إلى أبي سعيد السيرافي، وهو شيخ البلد، وفرد الأدب، وحسن التصرف، ووافر الحظ من علوم الأوائل، فسلَّمتُ عليه، وقعدتُ إليه، وبعضهم يقرأ الجمهرة، فقرأ: المقت، فقلت: لمقت، فدافعني الشيخ ساعةً ثم رجع إلى الأصل فوجد حكايتي صحيحة … وابتدئ فقرئ عليه من كتاب «المقتضب» باب ما يجري وما لا يجري … ورأيتُ الشيخ بعد ذلك غزيرًا فاضلًا، متوسعًا عالمًا، فعلقتُ عليه، وأخذتُ منه، وحصلتُ تفسيره لكتاب سيبويه، وقرأتُ صدرًا منه» (^٥١).
وممّا ألفَّ في الموضوعات اللغوية:
كتاب شرح كتاب سيبويه.
كتاب ألفات الوصل والقطع.
كتاب أخبار النحويين البصريين.
كتاب الوقف والابتداء.
_________
(^٤٩) انباه الرواة:٣/ ١٠٣.
(^٥٠) انباه الرواة:١/ ٣١٣.
(^٥١) الروزنامجة:٩٧ - ٩٩.
1 / 20
كتاب الاقناع في النحو.
كتاب صنعة الشعر والبلاغة.
كتاب شرح مقصورة ابن دريد (^٥٢).
توفي سنة ٣٦٨ هـ (^٥٣).
٥ - ابن فارس:
أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا: من أعيان أهل العلم وأفراد الدهر.
جُلِب إلى الري ليقوم بتدريس أبي طالب مجد الدولة بن فخر الدولة أبي الحسين بن بويه، فاغتنم الصاحب هذه الفرصة، فقرأ عليه وتلقّى منه، وكان يقول فيه: «شيخنا أبو الحسين ممن رُزِقَ حُسْنَ التصنيف، وأمن فيه من التصحيف» (^٥٤).
ونشأتْ بين ابن عباد واستاذه علاقة وصداقة ما فتئت تزداد قوةً ومتانة على مرِّ الأيام. وقد توَّج ابن فارس هذه العلاقة بتسمية كتابه الجليل في فقه اللغة ب «الصاحبي» نسبةً للصاحب بن عباد، وفي ذلك يقول:
«هذا الكتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنُن العرب في كلامها، وإنما عنونتُه بهذا الاسم لأنِي لمّا ألَّفته أودعتُه خزانة الصاحب الجليل كافي الكفاة عمر الله عراص العلم والأدب والخير والعدل بطول عمره، تجملًا بذلك وتحسنًا، إِذْ كان ما يقبله كافي الكفاة من علم وأدبٍ مرضيًّا مقبولًا، وما يرذله أو
_________
(^٥٢) الفهرست:٦٨.
(^٥٣) تاريخ بغداد:٧/ ٣٤٢.
(^٥٤) معجم الادباء:٤/ ٨٣.
1 / 21
ينفيه منفيًا مرذولًا، لأن أحسن ما في كتابنا هذا مأخوذ عنه ومُفاد منه» (^٥٥).
ومن مؤلفات ابن فارس في العلوم اللغوية:
كتاب المجمل في اللغة.
كتاب متخيَّر الالفاظ.
كتاب فقه اللغة.
كتاب غريب اعراب القرآن.
كتاب الصاحبي.
كتاب مقاييس اللغة. وهو معجم مفصل.
كتاب كفاية المتعلمين في اختلاف النحويين (^٥٦).
كتاب الأضداد (^٥٧).
توفي سنة ٣٩٥ هـ (^٥٨).
***
أما مصادره في كتابه فلن يستوقفنا منها ما رواه عن الأكابر المعروفين واللغويين المشهورين كالخليل والاصمعي وابن دريد وأضرابهم، فقد كفتنا شهرتهم مؤونة الحديث عنهم والترجمة لهم في هذا التقديم.
ولكن واحدًا من اولئك العلماء لم يكن بتلك المثابة من الشهرة والمعرفة؛ فاستحق الوقفة المتأنّية الفاحصة، ذلك هو الخارزنجي البشتي الذي تردد اسمه كثيرًا في «المحيط» وتكرَّر النقل عنه وبخاصةٍ في ما أهمله الخليل.
_________
(^٥٥) الصاحبي:٢.
(^٥٦) معجم الادباء:٤/ ٨٤ - ٨٥.
(^٥٧) الصاحبي:٦٦.
(^٥٨) معجم الادباء:٤/ ٩٣.
1 / 22
فَمَنْ هو هذا الرجل يا تُرى؟ وما مقدار الثقة بأقواله ورواياته؟.
ترجم له السمعاني فقال:
«الخارزنجي: بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعد الألف وفتح الزاي وسكون النون وفي آخرها الجيم. هذه النسبة إلى خارزنج، وهي قرية بنواحي نيسابور من ناحية بشت … أبو حامد أحمد بن محمد الخارزنجي امام اهل الادب بخراسان في عصره بلا مدافعة، فاق فضلاء عصره، ولمّا حجَّ بعد الثلاثين وثلاثمائة شهد له أبو عمر الزاهد صاحب ثعلب ومشايخ العراق بالتقدم، وكتابه المعروف بالتكملة البرهان في تقدمه وفضله، ولما دخل بغداد تعجَّب أهلها من تقدُّمه في معرفة اللغة فقيل هذا الخراساني لم يدخل البادية قط وهو من آدب الناس، فقال: أنا بين عربين: بشت وطوس».
«سمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الفوشنجي، وحدَّث، سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وتوفي في رجب سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة» (^٥٩).
وقد اقتطف المتأخرون من السمعاني بعض فِقَره فذكروها في ترجمة الرجل (^٦٠)، وزادوا انَّ له من الكتب:
كتاب تكملة كتاب العين (^٦١)، وقد ذكره السمعاني كما مر.
كتاب التفصلة أو التفضلة (^٦٢).
_________
(^٥٩) الانساب:٥/ ٧ - ٨.
(^٦٠) معجم الادباء:٤/ ٢٠٣ - ٢٠٨ وانباه الرواة:١/ ١٠٧ - ١١٩ والوافي بالوفيات:٨/ ٧ - ٨ وبغية الوعاة:١٦٩ - ١٧٠.
(^٦١) ذكر في الكتب السالفة الذكر وفي التهذيب للازهري:١/ ٣٢ وكشف الظنون:٢/ ١٤٤٣.
(^٦٢) ذكر في معجم الادباء وبغية الوعاة وهدية العارفين:١/ ٦٣.
1 / 23
كتاب تفسير أبيات أدب الكاتب (^٦٣).
ولمّا كان كتابه «التكملة» مفقودًا في أغلب الظن لم يكن لنا من سبيلٍ إلى الحكم عليه بمدح أو قدح، ولكن السمعاني-كما أسلفنا-قد عدَّه «البرهان في تقدمه وفضله»، وروى عنه الصاحب بن عباد في المحيط فأكثر. ويكون فحوى ذلك كله ان الكتاب جيد يصح الاعتماد عليه والرجوع إليه.
غير ان ابا منصور الأزهري قد حمل على هذا الكتاب حملة شعواء تكاد تعصف بالثقة فيه ووجَّه نحوه من ضباب الشكوك ما يلزمنا بالتمهل والتعمق للتعرف بواقع الحال.
قال الأزهري:
«ونظرتُ في أول كتاب البشتي [ويعني به الخارزنجي] فرأيتُه أثْبَتَ في صدره الكتب المؤلَّفة التي استخرج كتابه منها فعدَّدها وقال:
منها للأصمعي: كتاب الأجناس، وكتاب النوادر، وكتاب الصفات، وكتابٌ في اشتقاق الأسماء، وكتابٌ في السقي والأوراد، وكتاب في الأمثال، وكتاب ما اختلف لفظه واتفق معناه.
قال: ومنها لأبي عبيدة: كتاب النوادر، وكتاب الخيل، وكتاب الديباج.
ومنها لابن شميل: كتاب معاني الشعر، وكتاب غريب الحديث، وكتاب الصفات.
قال: ومنها مؤلفات ابي عبيد: المصنَّف، والأمثال، وغريب الحديث.
_________
(^٦٣) معجم الادباء، وسمّاه السيوطي في البغية: «شرح أبيات أدب الكاتب» ومثله في كشف الظنون: ١/ ٤٨، وسماه في هدية العارفين:١/ ٦٣ «شرح أدب الكاتب» ولعل في التسمية سقطًا.
1 / 24
ومنها: مؤلفات ابن السكيت: كتاب الألفاظ، وكتاب الفروق، وكتاب الممدود والمقصور، وكتاب اصلاح المنطق، وكتاب المعاني، وكتاب النوادر.
قال: ومنها لأبي زيد: كتاب النوادر بزيادات ابي مالك.
ومنها: كتاب الصفات لأبي خيرة.
ومنها: كتب لقطرب وهي: الفروق، والأزمنة، واشتقاق الأسماء.
ومنها: النوادر لأبي عمرو الشيباني، والنوادر للفراء.
ومنها: النوادر لابن الأعرابي.
قال: ومنها نوادر الأخفش، ونوادر اللحياني، والنوادر لليزيدي،.
قال: ومنها لغات هذيل لعزير بن الفضل الهذلي.
ومنها: كتب أبي حاتم السجزي.
ومنها: كتاب الاعتقاب لأبي تراب.
ومنها: نوادر الأعاريب الذين كانوا مع ابن طاهر بنيسابور، رواها عنهم ابو الوازع محمد بن عبد الخالق، وكان عالمًا بالنحو والغريب، صدوقًا، يروي عنه أبو تراب وغيره.
قال أحمد بن محمد البشتي: استخرجتُ ما وضعتُه في كتابي من هذه الكتب. ثم قال: ولعلَّ بعض الناس يبتغي العنت بتهجينه والقدح فيه، لأني أسندتُ ما فيه إلى هؤلاء العلماء من غير سماع. قال: وإنما اخباري عنهم إِخبارٌ من صحفهم، ولا يزري ذلك على مَنْ عرف الغثَّ من السمين، وميَّز بين الصحيح والسقيم. وقد فعل مثلَ ذلك أبو تراب صاحب كتاب الاعتقاب، فإِنه روى عن الخليل بن احمد وأبي عمرو بن العلاء والكسائي، وبينه وبين هؤلاء فترة.
قال: وكذلك القتيبي، روى عن سيبويه والأصمعي وأبي عمرو، وهو لم
1 / 25
ير منهم أحدًا».
ثم يقول الأزهري تعليقًا على ذلك:
«قد اعترف البشتي بأنه لا سماع له في شيءٍ من هذه الكتب، وانه نقل ما نقل إلى كتابه من صُحفهم، واعتلَّ بأنه لا يزري ذلك بمن عرف الغثَّ من السمين. وليس كما قال، لأنه اعترف بأنه صحفي، والصحفي إِذا كان رأس ماله صحفًا قرأها فإِنه يصحّف فيكثر، وذلك انه يخبر عن كتبٍ لم يسمعها، ودفاتر لا يدري أصحيح ما كُتِب فيها أم لا. وان اكثر ما قرأنا من الصحف التي لم تضبط بالنقط الصحيح؛ ولم يتولَّ تصحيحها أهل المعرفة؛ لَسقيمة لا يعتمدها الاّ جاهل».
«وأما قوله: ان غيره من المصنفين رووا في كتبهم عمَّن لم يسمعوا منه مثل أبي تراب والقتيبي، فليس رواية هذين الرجلين عمن لم يرياه حجة له، لأنهما وانْ كانا لم يسمعا من كل مَنْ رويا عنه فقد سمعا من جماعة الثقات المأمونين. فأما أبو تراب فإِنه شاهد أبا سعيد الضرير سنين كثيرة، وسمع منه كتبًا جمة. ثم رحل إلى هراة فسمع من شمر بعض كتبه. هذا سوى ما سمع من الأعراب الفصحاء لفظًا، وحفَظه من أفواههم خطابًا، فإِذا ذكر رجلًا لم يره ولم يسمع منه سومح فيه وقيل: لعلَّه حفظ ما رأى له في الكتب من جهة سماعٍ ثبت له، فصار قول مَنْ لم يره تأييدًا لما كان سمعه من غيره، كما يفعل علماء المحدّثين فانهم إِذا صحَّ لهم في الباب حديث رواه لهم الثقات عن الثقات أثبتوه واعتمدوا عليه، ثم ألحقوا به ما يؤيده من الأخبار التي أخذوها اجازة».
«وأمّا القتيبي فإِنه رجل سمع من أبي حاتم السجزي كتبه، ومن الرياشي سمع فوائد جمة، وكانا من المعرفة والاتقان بحيث تثنى بهما الخناصر، وسمع من أبي سعيد الضرير، وسمع كتب ابي عبيد، وسمع من ابن أخي الأصمعي.
وهما من الشهرة وذهاب الصيت والتأليف الحسن بحيث يُعْفى لهما عن خطيئة
1 / 26
غلط، ونبذ زلة تقع في كتبهما، ولا يلحق بهما رجل من اصحاب الزوايا لا يُعْرَف الاّ بقريته، ولا يوثق بصدقه ومعرفته ونقله الغريب الوحشي من نسخة إلى نسخة، ولعل النسخة التي نقل عنها ما نسخ كانت سقيمة».
«والذي ادَّعاه البشتي من تمييزه بين الصحيح والسقيم ومعرفته الغث من السمين، دعوى. وبعضُ ما قرأت من أول كتابه دلَّ على ضد دعواه».
«وأنا ذاكرٌ لك حروفًا صحَّفها وحروفًا أخطأ في تفسيرها، من أوراق يسيرة كنت تصفحتها من كتابه لأثبت عندك انه مبطل في دعواه» (^٦٤).
وبعد أنْ يسرد الأزهري تلك الحروف التي صحَّفها والأخرى التي أخطأ في تفسيرها (^٦٥) يقول:
«وقد ذكرتُ لك هذه الأحرف التي أخطأ فيها والتقطتُها من اوراق قليلة، لتستدلَّ بها على ان الرجل لم يفِ بدعواه. وذلك انه ادَّعى معرفة وحفظًا يميز بها الغث من السمين، والصحيح من السقيم، بعد اعترافه أنه استنبط كتابه من صحفٍ قرأها، فقد أقرَّ انه صحفي لا رواية له ولا مشاهدة، ودلَّ تصحيفه وخطؤه على انه لا معرفة له ولا حفظ. فالواجب على طلبة هذا العلم ألاّ يغتروا بما اودع كتابه، فإِن فيه مناكير جمة لو استقصيتُ تهذيبها اجتمعتْ منها دفاتر كثيرة» (^٦٦).
ويقول الأزهري في موضع آخر من مقدمة كتابه:
«روى الليث بن المظفر عن الخليل بن أحمد في أول كتابه: هذا ما ألفَّه الخليل بن أحمد من حرف «أ. ب. ت. ث» التي عليها مدار كلام العرب وألفاظها، ولا يخرج شيء منها عنها، أراد أنْ يعرف بذلك جميع ما تكلمتْ به
_________
(^٦٤) التهذيب:١/ ٣٢ - ٣٤.
(^٦٥) المصدر نفسه:١/ ٣٤ - ٣٩.
(^٦٦) التهذيب:١/ ٤٠.
1 / 27