Диалоги Платона: Эвтифрон, Апология, Критон, Федон
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
Жанры
ليس لدي ما أقوله يا سقراط.
سقراط :
ذرني إذن أتبع ما توحي به إلي إرادة الله.
مقدمة «فيدون»
مات سقراط، ثم انقضت بعد موته شهور أو سنين، فطلب إلى فيدون وهو التلميذ المحبب إلى أستاذه أن يقص على أهل «فليوس» كيف قضى سقراط، وكيف أنفق أخريات ساعاته، فاستجاب فيدون، وقص هذا الحوار الذي نقدم له؛ وإذن فالمحاورة قد صيغت بالضرورة في أسلوب القصة؛ لأنه كان لا بد لفيدون أن يصف سقراط في حديثه وحركاته، فلم يفته فيما روى أدق التفصيلات، وكان السامعون يتابعون الحديث في شغف لا يقل عن شغف راويه.
حكم على سقراط بالموت، وكان لا بد له أن ينتظر في سجنه حتى تعود السفينة المقدسة من «ديلوس»، وهي رحلة تستغرق ثلاثين يوما، اتخذها الأثينيون شهرا حراما لا يجوز القتل خلاله؛ فأنفق سقراط هذه الأيام يتحدث إلى صفوة مختارة من تلاميذه، فلما انتهى الشهر المحرم، أقبل التلاميذ في ساعة باكرة لكي يحاوروا سقراط الحوار الأخير، وكان بين الحاضرين «سمياس» و«سيبيس» و«أقريطون» وحارس السجن الذي اختاره أفلاطون ليصور به تأثير سقراط في عامة الناس.
لم يكد يدخل هؤلاء التلاميذ والأصدقاء غرفة سقراط حتى هم هذا بإرسال زوجته وأبنائه - وكانوا في زيارته - إلى الدار لكي يتفرغ إلى محادثة أصدقائه، وكان ساعتئذ قد حلت عنه القيود لتوه، فانتهز هذه الفرصة، وبدأ الحديث بأن لاحظ أن اللذة تعقب الألم (وهنا ينبغي أن نلاحظ أن أفلاطون يمهد بذلك إلى نظريته التي سيبسطها فيما بعد عن تعاقب الأضداد)، فيقول عن اللذة والألم: إنهما كانا جديرين أن يمثلهما «إيسوب» في قصة، فيصورهما مخلوقا ذا رأسين، فاستدعى ذكر «إيسوب» سؤالا ألقاه «سيبيس» يسأل سقراط عن العلة التي دفعته إلى قرض الشعر في السجن - إذ كان يحاول أن ينظم قصص «إيسوب» شعرا - مع أنه لم يكن شاعرا، فأجاب سقراط بأنه إنما لجأ إلى ذلك؛ لأنه أنذر مرات عدة في أحلامه بوجوب ممارسته الموسيقى، ولما كان حينئذ يدنو من الموت أراد أن يتحوط لنفسه فينفذ إرادة النذير الذي أهاب به في رؤاه تنفيذا حرفيا من ناحية، وروحيا من ناحية أخرى، بنظمه للشعر وبتعلمه للفلسفة، ويستطرد سقراط في الحديث فيذكر الموت والرغبة فيه مع تحريم الانتحار لعدم شرعيته، فيسأل «سيبيس» لماذا يكون الانتحار في رأي الناس خطيئة إذا كان الموت خيرا؟ فيجيبه سقراط: بأن الإنسان سجين لا يجوز له شرعا أن يفتح باب سجنه بنفسه ليفر هاربا، وثانيا لأن الإنسان ليس ملكا لنفسه، ولكنه ملك للآلهة؛ فليس له الحق إذن في أن يتصرف فيما ليس ملكا له. فيسأل «سيبيس» قائلا: لماذا يرغب الإنسان في الموت ما دام ملكا للآلهة مع أنه بذلك سيغادر أصدقاءه (هو هنا يعرض بسقراط) فيقول سقراط: إن الإنسان يرغب في الموت؛ لأنه سيكون في حماية الآلهة، وهو من غير شك لا يستطيع أن يعنى بنفسه كما تعنى به الآلهة ... ثم يستطرد سقراط فيقول: إن الفيلسوف يريد الموت، ولكن ليس معنى الموت الذي يريده الفيلسوف هو ما يفهمه الناس؛ فما معناه إذن؟ الموت هو انفصال الروح عن الجسد، والفيلسوف يريد هذا النوع من الانفصال؛ لأنه يود أن يتحرر من عالم اللذة الجسدية ومن الحواس التي تشوش التفكير العقلي. إن الفيلسوف يريد أن يتخلص من عينيه وأذنيه؛ ليشهد الحقيقة بضوء العقل وحده؛ فكل ما يصيب الناس من شر، وكل ما ينغمسون فيه من أسباب الفجور وألوان الرغبة إنما مصدره الجسد، والموت هو الذي ينجيه من تلك المفاسد التي يستطيع وهو حي أن يتخلص منها، فإذا كان الفيلسوف يريد هذا الانفصال ويتمناه فهل يندم إذا حانت ساعته؟ إذا كان ميتا في حياته، فلماذا يخشى هذا النوع الثاني من الموت مع أنه وحده السبيل إلى مشاهدة الحكمة في صفائها؟
هذا إلى أن سقراط يخالف سائر الناس في رأيه عن الخير والشر؛ فالناس شجعان حين يخشون خطرا أعظم مما يقبلون عليه بشجاعتهم، وهم معتدلون حين ينشدون باعتدالهم لذة أعظم من اللذة التي يصيبونها في إسرافهم؛ فأما الفيلسوف فيزدري هذه الموازنة بين اللذة والألم؛ لأنها موازنة تصلح لتبادل السلع في التجارة، ولكنها لا تصلح لتبادل الفضائل بحال من الأحوال، فالفيلسوف لا يعتبر الفضائل جميعا بكل ما فيها من حكمة إلا وسائل تطهير للروح، وفي سبيل هذا التطهير الروحي يقبل سقراط على الموت راضيا.
ولكن لا يخشى أن تفنى الروح إذا ما فارقت جسدها كما يتلاشى الدخان أو كما يتبعثر الهواء؟ فيجيب سقراط على هذا الاعتراض أولا بأن يحتج قبل كل شيء بما ذهب إليه رجال المذهب الأورفي منذ القدم من أن أرواح الموتى كائنة في العالم الأدنى، وأن الأحياء إنما يستمدون أرواحهم منها، وهنا يحاول سقراط أن يؤيد هذا المذهب برأي فلسفي وهو أن الأضداد كلها - كالأصغر والأكبر، والأضعف والأقوى، والنائم والمستيقظ، والحياة والموت - يتولد أحدهما من الآخر، ويستحيل أن تكون عملية التوليد هذه مجرد انتقال من ضد إلى ضده وكفى؛ أعني مثلا أن تنتقل الحياة إلى الموت ثم يقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ لو صح ذلك لانتهى كل شيء إلى الموت، ولما أمكن لدورة الطبيعة أن تتم إلا إذا انتقل الموت بدوره إلى الحياة، فيصدر الأحياء عن الأموات كما يعود هؤلاء الأحياء أنفسهم فيمضون إلى عالم الأموات.
وهنا يسوق أفلاطون نظريته في التذكر؛ ليؤيد بها وجود الروح قبل حلولها بالجسد، وهو يقيم البراهين على هذه النظرية، وأول برهان يساق لذلك أنك تستطيع أن تستنتج من الجاهل بعض النتائج الرياضية الصحيحة بأن ترسم له شكلا هندسيا وتأخذ في سؤاله فيجيبك بالعلم الصحيح، ولا يكون ذلك إلا أن يكون العلم الرياضي كامنا في الروح، والبرهان الثاني ما للروح من مقدرة على ترابط المعاني، أي استثارة بعضها ببعض، فترى سمياس مثلا فيذكرك ذلك بسيبيس، أو ترى صورة سمياس فتذكر بذلك سمياس نفسه، كذلك قد ترى القيثارة فتذكرك بالعازف عليها، وقد ترى القطع المتساوية من الخشب أو الحجر فيستدعي ذلك في نفسك فكرة سامية هي فكرة المساواة المطلقة. وجدير بنا في هذا الموضع أن نلاحظ أن الأشياء المادية المتساوية لا يبلغ تساويها مبلغ فكرة المساواة المطلقة التي نقارن بها تلك الأشياء ونتخذها مقياسا لها، ولما كان المقياس لا بد أن يكون سابقا للشيء المقيس، وجب أن تكون فكرة المساواة أسبق من المتساويات المادية، وإذا كانت سابقة لها فهي كذلك أسبق من الحواس التي أدركتها؛ وإذن فقد أوتيناها قبل الميلاد، أو ساعة الميلاد نفسها، ولكن الناس جميعا لا يعرفون شيئا إلا إذا استذكروه، فمتى أنسوا العلم إن كانوا قد أوتوه ساعة الميلاد؟ هل يعقل أن يوهبوه ويسلبوه في لحظة بعينها؟ وإذن فلم يبق إلا أن يكون العلم مفطورا في الروح قبل الميلاد أي قبل حلولها بالجسد، وهذا دليل على وجود الروح قبل اتصالها بالجسد، وأنها كانت حينئذ على شيء من الذكاء والإدراك، وإذا صح ذلك فقد صدقت نظرية المثل كلها.
Неизвестная страница