وعندما سأل عنها أخبروه أنها سافرت منذ زمن، لقد ذهبت إلى مكتب الجوازات والهويات استلمت جواز سفرها ورحلت في نفس اليوم.
اقترب غريب من حافة سطوح البناية وهم بالانتحار فلم تحضر إيناس. وهنا اكتشف مفجوعا أن الخيال أيضا بحاجة لبطاقة هوية وأن كل ما يتعلق به لا وجود له. حتى خياله قد غاب .. إذن فقد تلاشى غريب تماما، وهنا أخذ قرارا نهائيا بإنهاء حياته.
تراجع عن الحافة والتقط آلة حادة تقطع الأمل من الضربة الأولى، قطع بها وريده، وراح دمه يتناثر فوق السطوح، ترنح قليلا قبل أن يغمض عينيه وتغيب الرؤية تماما .. فقط سواد.
5
كثيرة هي أخطائي أولها وآخرها أنني قبلت أن أبعث إلى ضوء عالم يرفضني .. كان يجب أن أبقى هناك في الرحم، ذاك هو عالمي أنا، هناك حيث العالم وأنا شيء واحد . كان الأجدر بي أن أبقى هناك وأكبر فتكبر بطن أمي معي .. نكبر معا أنا والعالم الدافئ .. رجوت أمي أن تعيدني إلى رحمها، فأجابتني إجابة محددة ومباشرة كما يجيب البالغون الأطفال؛ إذ قالت إن العودة إلى رحمها أمر مستحيل. أما لو مت فقد أذهب إلى عالم شبيه برحم أمي، وإن لم أجد فحتما ستنهشني الديدان، وسأكون شيئا ما في بطن دودة جائعة، ربما تكون بطن الدودة أكثر اتساعا من هذا العالم.
لم أكن أعرف شيئا عن عالم الموت، ظننت أنني ما إن أنتحر حتى أجد نفسي في «أبدية بيضاء»، وأسرنم فيها خطوة خطوة، سأجتاز الاختبارات الصعبة أول الأمر: «من أنت؟ ماذا فعلت؟ وماذا اقترفت من ذنوب؟» ثم أشاهد البائسين يمارسون حياتهم خارج عالمي، أما أهلي فيبكون جثتي المسجاة في التابوت ولكن شيئا من هذا لم يكن.
كل ما في الأمر أنني وما إن أغمضت عيني حتى وجدت نفسي في عالم أسود وكل ما فيه عتمة، انتظرت شيئا ما يحدث، ناديت على أحدهم، صرخت، وانتظرت طويلا إلى أن جاءتني الملائكة، سألتهم: «من فيكم ملك الموت؟»
أجابوني: «جاء ولم يجدك.»
قلت: «أنتم وجدتموني.»
قالوا: «هو ملك مختص بالموت، ومهمته أن يقبض أرواح الموتى، لقد كلفته عناء البحث عنك قبل أن يكتشف أن لا بيانات لك في دفاترنا فعاد خائبا إلى السماء.»
Неизвестная страница