176
-قال ابن عمر كان بناء المسجد على عهد رسول الله ﷺ وسقفه جريد وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا فزاد فيه عمر ويناه على ما كان من بنائه ثم غيره عثمان وبناه بالحجارة المنقوشة والفضة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه ساجا وزاد فيه. وفي الصحيح في ذكر بناء المسجد وكنا نحمل لبنة لبنة وعمار (١) لبنتين لبنتين فرآه النبي ﷺ فجعل ينفض التراب عنه ويقول "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار" وقال يقول عمار أعوذ بالله من الفتن. وروى البيهقي في الدلائل عن سفينة مولى رسول الله ﷺ قال لما بنى النبي ﷺ المسجد وضع حجرا ثم قال ثم قال ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم ليضع عثمان حجره إلى حجر عمر. فقال رسول الله ﷺ هؤلاء الخلفاء من بعدي. وعن مكحول قال لما كثر أصحاب رسول الله ﷺ قالوا اجعل لنا مسجدًا فقال خشبات وثمامات عريش كعريش أخي موسى. صلوات الله عليه. الأمر أعجل من ذلك ورواه رزين وزاد فيه فطفقوا ينقلون اللبن وما يحتاجون إليه ورسول الله ﷺ ينقل معهم الخ. وكان الذين أسسوا المسجد جعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع وجعل قبلته إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثة أبواب باب في مؤخره وهو في جهة القبلة اليوم وباب عاتكة الذي يدعى باب عاتكة ويقال له باب الرحمة. والباب الذي كان يدخل منه رسول الله ﷺ وهو باب ىل عثمان اليوم وهذان البابان لم يغيرا بعد أن صرفت القبلة، ولما صرفت القبلة سد رسول الله ﷺ الباب الذي كان خلفه وفتح هذا الباب ومحاذيه هذا الباب الذي سد. وكان رسول الله ﷺ يخطب إلى جذع يتكئ عليه فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا؟ قال إن شئتم فجعلوا له منبرا ولما فارق رسول الله الجذع وصعد المنبر حن الجذع وسمع له صوت كصوت العشار فقال النبي ﷺ ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة؟ فأقبل الناس عليها فسمعوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم فنزل إليه رسول الله ﷺ فضمه فسكن. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر. قال كان النبي ﷺ يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح بيده عليه. ولا شك أن حنين الجذع من معجزاته ﷺ وحديث الجذع مشهور رواه من الصحابة بضعة عشر. وكان المنبر من خشب الأثل ومن درجتين وله مجلس. وذكر ابن بطوطة في رحلته الجذع فقال: "دخلنا الحرم الشريف وانتهينا إلى المسجد الكريم فوقفنا باب السلام مسلمين وصلينا بالروضة الكريمة بين القبر والمنبر الكريم واستلمنا القطعة الباقية من الجذع الذي حن رسول الله ﷺ وهي ملصقة بعمود قائم بين القبر والمنبر عن يمين مستقبل القبلة" وقال عند ذكر القبر الكريم: "وفي الحديث أن رسول الله ﷺ تسليما كان يخطب إلى الجذع نخلة بالمسجد فلما صنع له المنبر وتحول إليه حن الجذع حنين الناقة إلى حُوارها وروى أن رسول الله ﷺ تسليما نزل إليه فألتزمه فسكن وقال لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة. واختلفت الروايات فيمن صنع المنبر الكريم فروى أن تيميا الدّارىّ رضي الله نه هو الذي صنعه. وقيل أن غلاما للعباس ﵁ صنعه. وقيل غلام لامرأة من الأنصار وورد ذلك في الحديث الصحيح وصنع من طرفاء الغابة وقيل من الاثل وكان له ثلاث درجات فكان رسول الله ﷺ يقعد على عُلياهن ويضع رجليه الكريمتين في وسطاهن فلما ولى أبو بكر الصديق ﵁ قعد على وسطاهن ووضع رجليه على أولاهن. فلما ولى عمر ﵁ جلس على أولاهن ووضع رجليه على الأرض. وفعل ذلك عثمان ﵁ صدرا من خلافته ثم ترقى إلى الثالثة ولما أن صار الأمر إلى معاوية ﵁ أراد نقل المنبر إلى الشام فضج المسلمون فلما رأى ذلك معاوية تركه وزاد فيه ست درجات من أسفله فبلغ تسع درجات".

(١) هو عمار بن ياسر وقد قتل يوم صفين.

1 / 176