لذلك جميعه نرانا ميالين إلى فريق المعجبين بمحمد علي، ميالين إلى تقليب صفحات حياته الساطعة لا صفحاتها المظلمة، ولو فعل التاريخ ذلك دائما، حين يروي أعمال الأعاظم والأجاويد من بني الإنسان، وطوى كشحا عن سيئاتهم؛ لكان ذلك أدعى إلى رفع مستوى الإنسانية، وأقرب إلى حملها على التزين بحميد الصفات، ولو كنا ممن يعتقدون بتعدد الأعمار - أي بعودة الإنسان مرارا إلى هذه الحياة الدنيا في شكل بشري مختلف، ليتمكن من التجرد من الأهواء والنقائص، والبلوغ إلى الكمال، فيعود حينذاك إلى الله ويذوب فيه، وهو ما يعتقده البوذيون، ويدعون الرجوع الأخير إلى الله «البلوغ إلى النرفانا» - لقلنا إن محمد علي كان البطليموس الأول، الذي أطلق معاصروه عليه لقب «صوتر» أي المنقذ، فإنه - مثله بل أكثر منه - أنقذ هذا القطر المحبوب من الفوضى وحشرجة الموت، ثم نفخ فيه من روحه فأحياه، ثم فتح أمامه أبواب السعادة في المستقبل وولج به في الطريق الموصلة إليها، فاستحق عن جدارة التعريف الجميل الذي أقرنه باسمه، عارفو الفضل من معاصريه، وأقرته له الأجيال التالية لجيله، ألا وهو «محيي الديار وأبو مصر الحديثة». •••
وإنا - والخشوع يملأ فؤادنا - نقف إليه كما وقف السلطان عبد العزيز أمام مقامه في القلعة، ونقول مع ذلك العاهل: «إنه كان رجلا عظيما من أكبر رجال التاريخ، وإن ذكره مخلد!»
Неизвестная страница