قد جرت عادة من ألف بل من كتب رسالة أن يتسمى في كتابه ليعرف وفي معروفيته فوائد منها في كلامه أن يعرف مذهبه أو مطلبه أو يتمكن جوابه أو يشهد له وعليه.
ومن أهمها أن يعلم هل يوثق بنقله ويقتدي به في أصله، فإن كلام الحجة حجة، وإنما يعرف كونه حجة ومرتبته من العلم بشهادة أهل العلم، وذلك في ثلاثة أشياء: أحدها التصريح بذلك مشافهة أو في ترجمته ولذلك صنفت طبقات أهل العلم وأعتني بتراجمهم.
ثانيها عده مع العلماء عند ذكرهم في مذهب أو وفاق أو خلاف أو حكاية كلامه فيما يحكى من كلام العلماء أو مذهبه أو نحو ذلك وهو كالتصريح.
ثالثها الأخذ عنه أو إقراء تصانيفه أو شرحها أو تقليده أو نحو ذلك.
وإنما يحصل له ذلك من ثلاثة أشياء: أحدها سماع كلامه مشافهة.
ثانيها مطالعة تصانيفه والوقوف على تحريره وتحصيله أو سماع فتاويه وآرائه وكلامه بنقل الغير له كما مر وهلم جرّا.
وبعد حصول مطلق المرتبة من العلم تحصل خصوصيات المراتب بشهادة من هو أهل لذلك بها بمشافهة أو في ترجمة أو اقتداء الأكابر به، أو ترجيحه على غيره أو نحو ذلك.
ومنها في خارج أن تعرف مرتبته كما مرّ أو يتعرض لدعاء داع أو ثناء مثن بخير ومحبة وود وغير ذلك.
فرأيت أن أتسمى في هذا المجموع وأضيف إلى ذلك ما اتفق لي من كنية وما أدركت من نسب بعد أن تعلم أن الاسم العلم ثلاثة: اسم وكنية ولقب.
أما الاسم فهو من حيث هو ما أريد به من تعيين المسمى لا يعطى مدحًا ولا ذمًا لصلاحية كل اسم لكل مسمى عند المحققين، ولكن إذا كان منقولًا فكثيرًا ما يلاحظ فيه زيادة على تعيين المسمى مدلوله الأول الحقيقي أو المجازي فيشعر بمقتضاه إشعارًا.
ومن هذا وقع التفاؤل والتطير بالأسماء، وكان ﷺ يحب الفأل الحسن ويقول: " إذَا أبْرَدْتُمْ إليَّ بَرِيدًا فَأبْرِدُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الاسْمِ ".
وكان ﷺ يغير من الأسماء ما لا يرضى، فسأل عن اسم ماء فقيل له: بيسان وماؤه ملح فقال: بل هو نعمان وماؤه عذب، فكان كذلك، وجاءه رجل فقال ما اسمك؟ قال: غاوي بن عبد العزي، فقال ﷺ: بل أنت راشد بن عبد ربه، وجاءه آخر فقال ما اسمك؟ فقال: حزن، فقال: بل أنت سهل، فقال الرجل: ما كنت لأغير اسمًا سماني به أبي، وكان الإمام سعيد المسيب ﵁ والرجل من أجداده يقول: فما زالت الحزونة فينا. فانظر كيف حكم مدلول اللفظ الأول. وقال ﷺ يوم الحديبية حين أقبل سهيل من ناحية قريش: " سَهُلَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُم " ومن هذا قوله ﷺ: " أسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَغفَارٌ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ " وقال أمير المؤمنين عمر ﵁ وقد سأل عن اسم رجل استعمله أو أراد أن يستعمله فقيل له: هو خبيئة كناز: هو يخبأ، وأبوه يكنز، لا حاجة لنا به. وبدل ﷺ برة بنت أبي سلمة بدرة فرارًا من التزكية التي يعطيها اللفظ، وقال مولانا علي كرم الله وجهه:
أنا الذي سمتني أمي حَيْدره
وقال الحريري في " المقامات " على لسان الغلام: " أما أمي فاسمها برة، وهي كاسمها برهة " وقالت اليهود يوم خيبر لمولانا علي ﵁، وقد تقدم بالراية فتسمى لهم: علوتم ورب الكعبة، وقالت العرب في أمثالها: إنما سميت هانئًا لتَهْنأ.
وقال الأخطل في كعب بن جعيل:
وسميت كعبًا بشر العظام ... وكان أبوك يسمى الجعل
وإن مكانك من وائل ... مكان القرد من أست الجمل
قال: " هما هذان ".
وكان بعض الرؤساء القيسية أحضر جفانًا من طعام، وكان بالحضرة بعض مَلاسينِ بكر بن وائل فأراد القيسي أن يعبث به فقال له: ما رأى بكر بن وائل قط مثل هذه الجفان؟ فقال ما رآها ولا رآها أيضًا قط عيلان يعني جده هو، ولو رآها ما قيل له عيلان بل شبعان.
وقالت هند بنت النعمان بن بشير تهجو زوجها الفيض بن أبي عقيل:
سميت فيضًا وما شيء تفيض به ... إلاّ سُلاحك بين الباب والدار
وقال الآخر:
وللحرب سمينا فكنا محاربًا ... إذا ما الْقَنا أمسى من الطعن أحمرا
1 / 3