Первое приключение разума: Исследование в мифологии: Сирия и Месопотамия
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
Жанры
وجدت الملحمة موزعة على سبعة ألواح فخارية، أثناء الحفريات التي كشفت عن قصر الملك آشور بانيبال، ومكتبته التي احتوت على مئات الألواح في شتى الموضوعات الأدبية والدينية والقانونية وما إليها. وقد جرى الكشف عن ألواح الملحمة تباعا، منذ نهاية القرن الماضي، وحتى نهاية الربع الأول من القرن العشرين، حيث اكتملت وصارت واضحة وميسرة للترجمة والدراسة.
واسم الملحمة مأخوذ، كما هي عادة السومريين والبابليين، من الكلمات الافتتاحية للنص؛ فإينوما إيليش تعني: عندما في الأعالي. فعندما في الأعالي لم يكن هناك سماء، وفي الأسفل لم يكن هناك أرض. لم يكن في الوجود سوى المياه الأولى ممثلة في ثلاثة آلهة؛ أبسو وتعامة وممو. فأبسو هو الماء العذب، وتعامة زوجته كانت الماء المالح، أما ممو فيعتقد البعض بأنه الأمواج المتلاطمة الناشئة عن المياه الأولى، ولكني أؤيد الرأي القائل بأنه الضباب المنتشر فوق تلك المياه والناشئ عنها. هذه الكتلة المائية الأولى كانت تملأ الكون، وهي العماء الأول الذي انبثقت منه فيما بعد بقية الآلهة والموجودات، وكانت آلهتها الثلاثة تعيش في حالة سرمدية من السكون والصمت المطلق، ممتزجة ببعضها البعض في حالة شواشية لا تمايز فيها ولا تشكل. ثم أخذت هذه الآلهة بالتناسل فولد لأبسو وتعامة إلهان جديدان هما لخمو ولخامو، وهذان بدورهما أنجبا أنشار وكيشار اللذين فاقا أبويهما قوة ومنعة. وبعد سنوات مديدة ولد لأنشار وكيشار ابن أسمياه آنو، وهو الذي صار فيما بعد إلها للسماء. وآنو بدوره أنجب إنكي أو إيا، وهو إله الحكمة والفطنة، والذي غدا فيما بعد إله المياه العذبة الباطنية. ولقد بلغ إيا حدا من القوة والهيبة جعله يسود حتى على آبائه.
وهكذا امتلأت أعماق الإلهة تعامة بالآلهة الجديدة المليئة بالشباب والحيوية، والتي كانت في فعالية دائمة وحركة دائبة، مما غير الحالة السابقة وأحدث وضعا جديدا لم تألفه آلهة السكون البدئية، التي عكرت صفوها الحركة وأقلقت سكونها الأزلي. حاولت الآلهة البدئية السيطرة على الموقف واستيعاب نشاط الآلهة الجديدة ولكن عبثا، الأمر الذي دفعها إلى اللجوء للعنف. فقام أبسو بوضع خطة لإبادة النسل الجديد والعودة للنوم مرة أخرى. وباشر بتنفيذ خطته رغم معارضة تعامة التي ما زالت تكن بعض عواطف الأمومة.
لدى سماعهم بمخططات أبسو خاف الآلهة الشباب واضطربوا، ولم يخلصهم من حيرتهم سوى أشدهم وأعقلهم، الإله إيا، الذي ضرب حلقة سحرية حول رفاقه، تحميهم من بطش آبائهم، ثم صنع تعويذة سحرية ألقاها على أبسو فنام، ثم قام إيا بنزع العمامة الملكية عن رأس أبسو ووضعها على رأسه رمزا لسلطانه الجديد . كما نزع عن أبسو أيضا اللقب الإلهي وأسبغه على نفسه، ثم ذبحه وبنى فوقه مسكنا لنفسه. كما انقض على ممو (الضباب المنتشر فوق المياه الأولى) المعاضد لأبسو فسحقه وخرم أنفه بحبل يجره وراءه أينما ذهب. ومنذ ذلك الوقت صار إيا إلها للماء العذب يدفع به إلى سطح الأرض بمقدار، ويتحكم به بمقدار، وهو الذي يعطي الأنهار والجداول والبحيرات ماءها العذب. وهو الذي يفجر الأرض عيونا من مسكنه الباطني. ومنذ ذلك الوقت أيضا يشاهد ممو فوق مياه الأنهار والبحيرات لأن إيا قد ربطه بحبل فهو موثق به إلى الأبد.
بعد هذه الأحداث الجسام ولد الإله مردوخ، أعظم آلهة بابل، الذي أنقذهم مرة أخرى من بطش الآلهة القديمة ورفع نفسه سيدا للمجمع المقدس. وكيف لا وهو ابن إيا (إنكي) الذي فاق أباه قوة وحكمة وبطشا. وكما كان الإنقاذ الأول على يد الأب إنكي، كذلك كان الإنقاذ الثاني على يد الابن الشاب مردوخ. فتعامة، التي تركت زوجها أبسو لمصيره المحزن دون أن تهرع لمساعدته وهو يذبح على يد الآلهة الصغيرة، تجد نفسها الآن مقتنعة بضرورة السير على الطريق نفسه لأن الآلهة الصغيرة لم تغير مسلكها، بل زادها انتصارها ثقة وتصميما على أسلوبها في الحياة. وهنا اجتمعت الآلهة القديمة إلى تعامة وحرضتها على حرب أولئك المتمردين على التقاليد الكونية فوافقت، وشرعت بتجهيز جيش عرم قوامه أحد عشر نوعا من الكائنات الغريبة التي أنجبتها خصوصا لساعة الصدام، أفاع وزواحف وتنانين هائلة وحشرات عملاقة جعلت عليها الإله كينغو قائدا، بعد أن اختارته زوجا لها، وعلقت على صدره ألواح الأقدار.
علم الفريق الآخر بما تخطط له تعامة وصحبها، فاجتمعوا خائفين قلقين، وأرسلوا إليهم الإله إيا الذي أنقذهم في المرة الأولى، عسى ينقذهم في المرة الثانية. ولكن إيا عاد مذعورا مما رأى، فأرسلوا آنو الذي مضى وعاد في حالة هلع شديد. أسقط في يد الجميع وأطرقوا حائرين، كل يفكر في مصيره الأسود القريب. وهنا خطر لكبيرهم أنشار خاطر جعل أساريره تتهلل إذ تذكر مردوخ، الفتى القوي العتي، فأرسل في طلبه حالا. وعندما مثل بين يديه وعلم بسبب دعوته، أعلن عن استعداده للقاء تعامة وجيشها بشرط الموافقة على إعطائه امتيازات وسلطات استثنائية، فكان له ما أراد. وجلسوا جميعا حول مائدة الشراب وقد اطمأنت قلوبهم لقيادة الإله الشاب.
أعطى الآلهة مردوخ قوة تقرير المصائر بدلا من أنشار، وأعطوه قوة الكلمة الخالقة. ولكي يمتحنوا قوة كلمته الخالقة أتوا بثوب وضعوه في وسطهم وطلبوا من مردوخ أن يأمر بفناء الثوب، فزال الثوب بكلمة آمرة من مردوخ، ثم عاد إلى الوجود بكلمة أخرى. هنا تأكد الآلهة من أن مردوخ إذا أراد شيئا قال له كن فيكون. فأقاموا له عرشا يليق بألوهيته، وأعلوه سيدا عليهم جميعا، ثم أسلموه الطريق إلى تعامة. وقبل أن يمضي صنع لنفسه قوسا وجعبة وسهاما وهراوة، كما صنع شبكة هائلة أمر الرياح الأربع أن تمسكها من أطرافها. ملأ جسمه باللهب الحارق، وأرسل البرق أمامه يشق له الطريق. دفع أمامه الأعاصير العاتية وأطلق طوفان المياه. وانقض طائرا بعربته الإلهية، وهي العاصفة الرهيبة التي لا تصد، منطلقا نحو تعامة والآلهة تتدافع من حوله تشهد مشهدا عجبا.
عندما التقى الجمعان طلب مردوخ قتالا منفردا مع تعامة فوافقت عليه، ودخل الاثنان حالا في صراع مميت. وبعد فاصل قصير نشر مردوخ شبكته ورماها فوق تعامة محمولة على الرياح، وعندما فتحت فمها لالتهامه دفع في بطنها الرياح الشيطانية الصاخبة فانتفخت وامتنع عليها الحراك. وهنا أطلق الرب من سهامه واحدا تغلغل في حشاها وشطر قلبها، وعندما تهاوت على الأرض أجهز على حياتها، ثم التفت إلى زوجها وقائد جيشها كينغو فرماه في الأصفاد، وسلبه ألواح الأقدار وعلقها على صدره. وهنا تمزق جيش تعامة شر ممزق، وفر معظمه يطلب النجاة لنفسه، ولكن مردوخ طاردهم، فقتل من قتل وأسر من أسر.
بعد هذا الانتصار المؤزر على قوة السكون والسلب والفوضى، التفت مردوخ إلى بناء الكون وتنظيمه وإخراجه من حالة الهيولية الأولى، إلى حالة النظام والترتيب، حالة الحركة والفاعلية و... الحضارة. عاد مردوخ إلى جثة تعامة يتأملها، ثم أمسك بها وشقها شقين، رفع النصف الأول فصار سماء، وسوى النصف الثاني فصار أرضا. ثم التفت بعد ذلك إلى باقي عمليات الخلق، فخلق النجوم محطات راحة للآلهة، وصنع الشمس والقمر وحدد لهما مساريهما. ثم خلق الإنسان من دماء الإله السجين كنغو حيث قتله، وأفرج عن بقية الأسرى بعد أن اعترفوا بأن المحرض الأول هو كنغو، كما خلق الحيوان والنبات. ونظم الآلهة في فريقين؛ جعل الفريق الأول في السماء وهم الأنوناكي، والثاني جعله في الأرض وما تحتها وهم الإيجيجي.
1
Неизвестная страница