Лингвистические заблуждения: третий путь к новой классике
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
Жанры
30
يرى د. عثمان أمين أن غياب فعل الكينونة ميزة فلسفية امتازت بها لغتنا على غيرها من اللغات: فالعربية ترى من نافلة القول أن نضطر إلى إثبات فعل الكينونة في كل قضية كيما نصدق بها، بل أكثر من هذا، أن العربية تفترض «أولانيا»
31
وابتداء أن مجرد إخطار المعنى في الذهن، ومجرد «ثبوت الإنية» - كما يقول الفارابي وابن سينا - أو وجود الذات العارفة التي تقرر المعنى، كاف وحده لإثبات هذا المعنى، وبعبارة أخرى إن العربية تفترض دائما أن شهادة الفكر أصدق من شهادة الحس أو، بتعبير فلسفي شائع لدى فلاسفة العرب ومتكلميهم، أن العربية بطبيعة بنيتها وصياغتها تقرر أن «الماهية متقدمة على الوجود» (تقدم رتبة وحيثية لا تقدم زمان أو وضع في المكان).
ويعلم كل دراس للفلسفة الديكارتية أن فعل الكينونة هذا قد أحدث خلطا في فهم الكثيرين للكوجيتو الديكارتي، وأدى إلى ارتباك ذهني كبير في الغرب في مستهل الفلسفة الحديثة. مثل هذا الخلط لا يمكن أن يقع في اللغة العربية لأنها استغنت أولانيا عن فعل الكينونة، ولم تسلم بأن له وظيفة منطقية، فضلا عن عدم التسليم بأنه «فعل» من الأفعال اللغوية. «إن «الكينونة»، تبعا لمنطق اللغة العربية، هي في الوجود الذهني، والوجود الذهني متضمن في كل قضية صادقة كانت أو كاذبة، ومن أجل ذلك وجدت اللغة العربية من نافلة القول أن تؤكد هذا الوجود بفعل الكينونة (الذي ليس في الحقيقة فعلا): فهذه اللغة ترى أن كل ما يعرض للذهن، كل فكر، «كائن»، وهذا يصير بديهيا لمجرد كونه مفكرا فيه. وها هنا مزية الذهن على المادة. إن الفلسفة الديكارتية التي تبدأ بالكوجيتو، ومنه تستخلص التمييز الحاسم بين النفس والبدن، تسير سيرا مطردا في الطريق الذي رسمته فلسفة اللغة العربية، وإن شئنا قلنا: إن اللغة العربية «مثالية» قبل مثالية ديكارت بمئات السنين، والفلسفة الديكارتية تجد ولا ريب سندا لها راسخا في مطالب اللغة العربية التي تفترض الوجود في الأذهان تحت كل فعل من أفعال العقل، وهي بهذا تقيم صدارة الفكر على كل ما عداه.»
32 (8) لغة تحتضن منهجا
يقول د. عثمان أمين في كتابه «فلسفة اللغة العربية»: «فقد أظهرتنا بحوث الأستاذ لوي ماسينيون على أن اللغة العربية قد امتازت بخصائص قل أن نجد لها مثيلا في اللغات الأخرى؛ ففي حين أن اللغات الهندوأوروبية إنما جعلت للتعبير عن نظام العالم الخارجي، نجد اللغة العربية وكأنها هي لغة التأمل الداخلي؛ تأمل الفكر والروح. العربية «تملك ديالكتيك المعجزة» التي ترنو إلى الأبدي، وتصرف النظر عن المتغير وعن كل ما هو زائل، إن في العربية استعدادا للرؤية الجوانية يتذوقه من نشئوا على التحدث بها، وفي العربية، بفضل تركيبها الداخلي وطراز الخلوة التي توحي به، قدرة خاصة على التجريد والنزوع إلى الكلية والشمول، ومن هنا كان للعرب الفضل في استكشاف رموز الجبر وصيغ الكيمياء والمسلسلات الحسابية. ويذكر ماسينيون أن «واحدا من الأوروبيين المساكين» قال له مرة في معرض الزراية على العرب: «ليس لهؤلاء الناس أدب» فأجابه: «لم نقل في ثلاثمائة جملة ما يمكن أن يقال في سطر واحد؟»، يقول ماسينيون: «إن الشعوبية المتزمتة، شعوبية دولة إسرائيل الجديدة، لا تؤمن بشيء قدر إيمانها بلغتها العبرية، وإن مدارسها الأولية تعلم العبرية وفقا للإعراب العبري التقليدي المنقول عن اللغة العربية، ووفقا للأبجدية القديمة. اللغة العربية لغة وعي، ولغة شهادة، وينبغي إنقاذها سليمة بأي ثمن، للتأثير في اللغة الدولية المستقبلية، واللغة العربية بوجه خاص هي شهادة دولية يرجع تاريخها إلى ثلاثة عشر قرنا.»
33
ويقول المستشرق الفرنسي هنري لوسل في مقال له بعنوان «اللغة العربية والحضارة العربية الإسلامية تزودان الدارس لهما بنظرة جديدة إلى العالم»: «... يجد الطالب في العربية معاني لغوية تختلف اختلافا كبيرا عن معاني الفرنسية أو اللاتينية أو أي لغة أوروبية ... ويستوقف نظره في الوقت نفسه سير الكتابة العربية من اليمين إلى الشمال، ولكن هذا السير يبدو مطابقا لحركة فزيولوجية أكثر اتفاقا مع الطبيعة. ثم إذا به يكتشف كلمات ذات أصول ملحنة واضحة ونسقا صرفيا مبتكرا داخل الكلمة يستبعد كل إضافة خارجية من المقاطع لأوائل الكلمات أو أواخرها، ويتيح ثروة من الاشتقاق من الأصل الواحد، وتقدم العربية أيضا نسقا من قواعد الإعراب بسيطا وفيه قدر كبير من المرونة، كما تقدم أساليب من تركيب الكلام تجمع بين البساطة والدقة، ونسقا من الأفعال يتسم بالبساطة، ويحير الناظر أول الأمر ولكنه مع ذلك قد بلغ من التمام في منطقه ما بلغه النسق الفرنسي، ومع العربية ينفتح أمام نظر التلميذ عالم جديد يخالف العوالم التقليدية المأثورة. لقد ذهب التعليم الفرنسي إلى البلاد العربية، ولكنه عجز عن أن يفيد منها لنفسه نظرة جديدة عن الإنسان يعود بها إلى فرنسا. إن دراسة القرآن، ولو كانت دراسة سطحية، تكشف للتلاميذ شيئا فشيئا تصورا جديدا للعالم.»
34
Неизвестная страница