واعلم أن ماء المد إذا بلغ إلى بعض المغائض أو الجزائر أو أرجل البحار فربما رجع عند الجزر ماء المد كله إلى البحر وربما رجع بعض ذلك وربما رجع إلى البحر عند الجزر أكثر من ماء المد الذي كان خرج من البحر لأن المد إذا بلغ إلى بعض المغائض أو إلى بعض أرجل البحار ولم يحتبس ماء البحر في المواضع التي يصير فيها رجع ماء المد كما هو إلى البحر فإن احتبس في بعض المواضع منه شيء رجع إلى البحر بعض ماء المد وإذا كانت تلك المغائض أو أرجل البحار التي يبلغها ماء مد البحر تنصب إليها مياه من أودية وأنهار مختلفة من غير ماء البحر فإنه يحدث الجزر معه من تلك المياه التي انصبت في تلك المواضع فيكون ماء الجزر في ذلك الوقت أكثر وأقوى وأغلب من ماء المد الفصل السابع في أن القمر هو علة المد والجزر والرد على من خالف ذلك
إن قوما أنكروا أن يكون القمر وطلوعه ومغيبه وبلوغه المواضع التي ذكرنا هو علة المد والجزر وقالوا إن من طبع البحر أن يتنفس من ذاته فإذا تنفس البحر كان المد وإذا لم يتنفس كان الجزر وسواء في ذلك طلوع القمر ومغيبه وليس القمر علة لهما وقالوا أيضا لو كان القمر علة المد والجزر لكان يجب أن تكون الأودية والأنهار والعيون تمد وتجزر
فاحتججنا على من زعم ذلك بأربع حجج إحداها أنا قلنا لو كان المد والجزر إنما يكون بطبع البحر وتنفسه لكان ماء المد أبدا على حالة واحدة معلومة لا يزيد ولا ينقص ولا يكون في وقت أقوى ولا أغلب من وقت آخر ولا تختلف أوقات ابتدائهما وانتهائهما لأن فعل الأشياء الطبيعية لا تختلف ولا يتغير عن حاله التي تكون عليها ونحن نرى خلاف ذلك كله لأنا ربما نرى ماء المد في وقت أقوى وأغلب منه في وقت آخر وربما رأيناه أضعف وإنما يكون اختلاف حالات المد على قدر اختلاف حالات القمر كما وصفنا وقد نرى المد أيضا في بعض الأوقات يبتدئ في أول النهار وفي وقت آخر على ساعة تمضي من النهار ثم تختلف حالات ابتداء المد والجزر ونهايتهما على قدر اختلاف طلوع القمر ومغيبه وسائر حالاته فعلمنا أن القمر هو علة المد والجزر وعلة سائر حالاتهما
Страница 314