فمن واجب الحكومة المصرية إذن أن تتأكد من أن الإدارة الحالية تسير وفقا للتوجيهات، التي رسمها البروتوكول، فالنظام الإداري القائم الآن ليس نهائيا غير قابل للتعديل - بل بالعكس - فإنه يجب أن يتطور لبلوغ الهدف الذي حدده الطرفان الساميان المتعاقدان ... ولتحقيق هذا التطور، يحق لمصر، ويجب عليها أن تبدي الملاحظات والاقتراحات التي تراها لازمة، كما أنه لا بد لها من الاطلاع اطلاعا تاما ومستمرا على التدابير، التي تتخذها الإدارة الحاضرة في السودان؛ لتنفيذ السياسة التي تعهد الطرفان الساميان المتعاقدان على تطبيقها في السودان ...
فتفسير البروتوكول على النحو الذي يبدو أن الطرف البريطاني يريد التمسك به، يكون معناه تجريد نص البروتوكول الخاص بالسودان، والسياسة التي تعهد بها الطرفان الساميان المتعاقدان، من مفعولهما بتاتا. •••
ويحوي مشروع الخطاب أيضا الاعتراف لبريطانيا العظمى بحق تأمين الدفاع عن السودان، بوساطة القوات المسلحة والتسهيلات التي قد تطلبها ... ويبدو من هذا النص أن مهمة الدفاع عن السودان تقع على عاتق بريطانيا العظمى وحدها، في حين أن لمصر حقا على الأقل متساويا مع حق بريطانيا العظمى في هذا الصدد ... فعلى مصر إذن أن تقول أيضا كلمتها في المسائل المتعلقة بالدفاع عن السودان؛ لأنه جزء من الدفاع عن مصر نفسها، وفي المسائل المتعلقة بالقوات البريطانية التي قد توجد في السودان، إذ إن مصر نفسها قد تضطر إلى إرسال قوات مصرية إليه ... فهذه المسائل يجب أن تكون في الوقت المناسب موضوعا للبحث من جانب مصر وبريطانيا العظمى، خصوصا وأن وجود قوات بريطانية الآن في السودان لم يكن موضع اعتراض من جانب مصر. •••
ومشروع الخطاب يمس أيضا مسألتين أخريين، الأولى: حق المرور أو «الترانزيت» لبريطانيا العظمى في مصر ، وحق تحليق الطائرات البريطانية في جو مصر خلال مدة الجلاء، ثم حق تحليق الطائرات بعد الجلاء ... والثانية: بقاء الالتزامات المالية الناتجة عن تطبيق معاهدة 1936 بعد إلغاء هذه المعاهدة.
وقد تم الاتفاق في لندن على أن تكون مسألة تحليق الطائرات، بعد الجلاء موضع مناقشة تجرى بعد التوقيع على المعاهدة للوصول إلى اتفاق بهذا الصدد، أما تصفية الحقوق والالتزامات المالية الخاصة بالطرفين، فإنه لا يمكن إجراؤها إلا بعد أن توضع المعاهدة الجديدة موضع التنفيذ، فضلا عن أن هذه التصفية تتطلب اتفاقا بين الحكومتين.
وقد رفض المفاوضون المصريون في محادثات لندن الاقتراح البريطاني الرامي إلى حل هذه المسائل بموجب رسائل تلحق بالمعاهدة، فإن الطرف المصري لم يشأ أن يكرر الإجراء، الذي اتبع في معاهدة 1936، باعتبار أن معاهدة التحالف المثالية بين بلدين يعترف كل منهما بسيادة الآخر واستقلاله، لا يمكن أن تكون غير اتفاق بسيط واضح، وإذا اقتضت هذه المعاهدة إضافة ملاحق عديدة مفصلة، فمعنى هذا أنها تحوي بنودا غير عادية لا تنسجم مع معاهدة تحالف مثالية.
وقد رفض المفاوضون المصريون - وهم في هذا محقون - أنه إذا نشأت في المستقبل مسائل تقتضي اتفاقا تكميليا، فالمفهوم أن تدرس الحكومتان تلك المسائل في وقتها، بغية الوصول إلى حلها بتفاهم متبادل.
لهذا كله، لا يسع الحكومة الملكية المصرية أن تقبل اقتراح مستر بيفن بالتوقيع على مشروع الخطاب الذي أعده. •••
أما فيما يتعلق باستقلال السودان، وباستمرار النظام الإداري الحاضر فيه، فإن الحكومة الملكية المصرية لا يسعها أيضا قبول تفسير الجانب البريطاني، كما هو موضح في مشروع الخطاب، أو في ملخص للتصريحات التي قد يدلي بها مستر بيفن في مجلس العموم.
وتحرص الحكومة الملكية على أن توضح من ناحية أخرى، أن مقدمة النصوص التي وقع عليها بالحروف الأولى في لندن، تقضي بأن تعرض هذه النصوص على الحكومة المصرية، حتى إذا ما وافقت عليها عمد مستر بيفن إلى توصية الحكومة البريطانية بإعطاء موافقتها أيضا.
Неизвестная страница