وذات يوم خرج سموه من قصر رأس التين، وحوله رجال الحاشية، فتقدم الصبيان، وارتميا على قدميه يقبلانهما، ويتلمسان العفو عن أبيهما المعتقل، فسأل سعيد باشا عن أمرهما فقيل له: إنهما نجلا محمد سيد أحمد بك «باشا»، فاستدرت حالة الصبيين عطفه، فأمر توا بالإفراج عنه!
بركة غطاس
كان جدي جالسا في القلعة لا يدري شيئا مما حدث وقد بلغ به اليأس مبلغه، وإنه لكذلك إذا برسل الأمير يأتون إليه ويطرقون معتقله، فأوجس منهم خيفة، ولكنهم ما لبثوا أن بشروه بعفو الأمير، وأمروه بأن يذهب لمقابلته بقصر رأس التين.
خرج سيد أحمد باشا مغتبطا بهذا العطف الكريم، وذهب لتقديم الشكر لسمو الأمير، فقابله سموه مقابلة حسنة، وشمله برعايته، ومنحه «حجة» تتضمن تبرع سموه له بضيعة من أملاكه الخاصة بمديرية البحيرة مساحتها تسعمائة فدان في «بركة غطاس»؛ أي عن كل شهر قضاه في المعتقل «مائة فدان» ...! وهذه الضيعة هي التي أقضي فيها بعض أوقات راحتي إلى الآن ...!
وبمناسبة «بركة غطاس» أذكر أنني قرأت في مذكرات نابليون أنه عند مغادرته لمصر في نهاية الحملة الفرنسية بات فيها تلك الليلة، التي سبقت يوم إقلاعه من البلاد المصرية إلى فرنسا.
دخولي مدرسة الحقوق
كانت الثقافة الفرنسية هي أولى الثقافات الأجنبية التي يقبل عليها الناس في ذلك الحين، ولما كان والدي قد أتم دراسته في فرنسا، وتثقف بثقافتها، فكان طبيعيا أن يختار لنجله هذه الثقافة، فأرسلني في السادسة من عمري إلى مدرسة الفرير، فكان لها الفضل في إتقاني للغة الفرنسية، وقد مكثت بها حتى حصلت منها على «البكالوريا» سنة 1889.
ولما لم تكن المدارس الأجنبية تعنى بدراسة العربية يومئذ عنايتها بها في الوقت الحاضر، فقد كنت أشعر بقصوري في هذه اللغة أثناء وجودي بها، حتى إذا انتقلت منها إلى مدرسة الحقوق بدأت عنايتي بإتقان اللغة العربية، خصوصا وقد كان من أساتذتي بعض فطاحل هذه اللغة وآدابها أمثال المرحومين حفني بك ناصف، وسلطان محمد بك.
وعلى ذكر التحاقي بمدرسة الحقوق، أذكر هنا فضلا للمرحوم علي مبارك باشا ناظر المعارف، فقد كانت سني وقت حصولي على «البكالوريا» لا تتجاوز الرابعة عشرة، وكانت السن القانونية للملتحقين بالسنة الأولى في هذه المدرسة لا تقل عن الخامسة عشرة، فكان القانون يقضي بحرماني من دخولها حتى أبلغ هذه السن، فلما اتصل ذلك بناظر المعارف أذن باستثنائي من هذه القاعدة، وأصدر أمرا خاصا بقبولي في هذه المدرسة.
مع مصطفى كامل
Неизвестная страница