Записки девочки по имени Суад
مذكرات طفلة اسمها سعاد
Жанры
أمها كانت لها ضحكة عالية مميزة، تسمعها وهي في الشارع فيبتهج قلبها وتشعر بالاطمئنان، ما دامت أمها تضحك فلا بد أنها لا تزال على قيد الحياة، وأبوها أيضا لا زال على قيد الحياة، وكل شيء في بيتهم كما كان.
إحساس عميق دفين كان يلازمها منذ الطفولة، إنها في لحظة ما مفاجئة لن تجد أمها، أو أن أباها سيموت أو يختفي فجأة، وتصبح بلا مأوى ولا عائل يطعمها أو يدفع لها المصاريف.
وبقدر ما كانت تخاف على أبيها أن يموت بقدر ما كانت تتصور أن الموت وحده هو الذي يمكن أن يحررها من أبيها، ويحررها من المذاكرة والمدرسة.
ولم يكن بدسوق مدرسة ثانوية للبنات، ففرحت سعاد وتصورت أنها لن تذهب إلى المدرسة، لكن أمها اقترحت أن تلتحق بمدرسة العباسية الثانوية للبنات وتعيش في بيت المرحوم جدها.
بيت جدها لا زال معلقا في ذاكرتها بسحابة قاتمة من الكراهية، وهي لا تحب جدها، وجدها لم يعد موجودا في البيت لأنه مات، لكنها لا تحب خالتها أيضا، جدتها لا تكرهها ولا تحبها، وخالها مثل جدتها وإن كانت تحبه أكثر.
وأهم من هذا كله فهي ستعيش في العباسية، بعيدا عن دسوق وبعيدا عن أبيها، وإحساس حاد بالفرح يهز قلبها في الخفاء لمجرد أنها ستعيش في بيت ليس فيه أبوها. •••
الليلة الأخيرة قبل أن تغادر دسوق جاءت أمها ورقدت إلى جوارها في سريرها، يدها البيضاء البضة تربت على ظهرها كما كانت تفعل وهي طفلة، وصوتها الناعس يهمس في أذنها: ستكونين مسئولة عن نفسك يا سعاد في بيت جدك، وتذاكرين دروسك دون أن يقول لك أحد، وقد كبرتي ولم تعودي في حاجة أن يقول لك أحد ما هي مصلحتك، ومصلحتك يا ابنتي هي في المدرسة والتعليم، فالتعليم يرفع الإنسان إلى أعلى مرتبة، وكنت أحب التعليم وأنا مثلك، وأتمنى أن أتعلم كل شيء إنجليزي وفرنساوي وأضرب بيانو وأركب خيل، لكن المرحوم جدك كان رجلا صعبا، يعلم البنت حتى تبلغ خمسة عشر عاما فيخرجها من المدرسة ويبقيها في البيت حتى يأتيها العريس، وبكيت حين أخرجني من المدرسة، وكنت أكره البيت ولا أطيق الحياة فيه، وبالذات حين يكون أبي بالبيت، فهو لا يكف عن الشجار مع أمي، وإذا خرج أفرح، وحين يعود أدخل حجرتي ولا أظهر، وقول لنفسي: يا رب أتزوج أي واحد وأخرج من هذا البيت، وكنت في السادسة عشر حين جاء أبوك ليخطبني، وأختي دولت كانت تغيظني وتقول لي إن العريس فلاح وأهله فلاحين، وقلت لها: فلاح فلاح، أنا راضية بأي واحد لأترك بيتكم ومن فيه، يوم الخطوبة نظرت من وراء الشيش لأرى شكل الرجل الذي سأتزوجه، ولم أر إلا ظهره لأنه كان جالسا وظهره ناحية الشيش ووجهه الناحية الأخرى، وقلت: المهم أتزوج وأخرج من البيت وليس المهم أن أراه، وعملوا الخطوبة، وبعدها كتبوا الكتاب، ودخلت وأول سكن لنا كان في كوبري القبة، الشقة اللي ولدتك فيها، وأول ما دخلت حملت فيك، وجدتك الحاجة أم أبيك رأتني وأنا حامل وقالت لي: أنت في بطنك ولد يا ناهد، قلت لها: كيف عرفت يا حماتي؟ قالت: أنا أعرف أم الولد من نضارة عينيها وأم البنت أعرفها من لون وجهها الأصفر، وكنت أضحك وأقول لها: حرام عليك يا حاجة، البنت مثل الولد، وتغضب مني جدتك الحاجة وتقول إن الولد يساوي عشر بنات، وأقول: بالعكس، البنت أحسن من الولد، وأدعو الله أن يرزقني ببنت.
وتغمض سعاد عينيها وتنام، وهي تحمد الله؛ لأنه سمع دعاء أمها وجعلها بنتا وليس ولدا، وتصورت أنه كان من الممكن أن تكون ولدا لولا دعاء أمها، وحمدت الله مرة أخرى الذي جعل أمها تتذكر مثل هذا الدعاء وهي حامل، وكان من الممكن أن تنسى، فهي تنسى أشياء كثيرة، وتنسى دائما أين وضعت مفتاح الدولاب.
وتعجب عقلها وهي نائمة كيف يتحدد مصائر الأولاد أو البنات بمثل هذه الصدف، ولمجرد أن الأم تذكرت الدعاء أو نسيته، وقالت لنفسها: ولكن إذا نسيت أمي الدعاء وكانت النتيجة أنها ولدتني ولدا، فهل أكون مسئولة عن هذا الخطأ أم أن أمي هي المسئولة؟ ومن المسئول، أمي أم الله؟ لأن الله هو الذي يتقبل الدعاء أو يرفضه، وهو الذي يخلق الناس ويحدد مصيرهم ونوع أعضائهم أولادا أو بناتا.
وفي الصباح حمل عنها أبوها حقيبة ملابسها، ولوح لأمها بيده وهي تقف تطل عليهما من النافذة، كانت تبتسم له لكن عينيها كانتا تلمعان كأنما تدمعان، وأحست بشيء يشد قلبها إلى أسفل، وأرادت أن تستدير وتعود إلى أمها لتحوطها بذراعيها وتقبلها، واستدارت فعلا، ورأت وجه أمها من بعيد كقطعة ضوء مستديرة صغيرة تلمع في النافذة.
Неизвестная страница