Записки девочки по имени Суад
مذكرات طفلة اسمها سعاد
Жанры
وتذكرت سعاد أنها انقطعت عن الصلاة فعادت إليها، وأصبحت تصلي كل يوم الوقت بوقته، وقد خيل إليها أن الله هو الذي جعلها ترسب العام الماضي؛ لأنها لم تكن تصلي بانتظام، وفي الركعة الأخيرة تظل ساجدة بضع دقائق كما يفعل أبوها، وتردد بصوت خفيض مثل صوت أبيها: يا رب خذ بيد سعاد ونجحها هذا العام. وحين تنطق اسم «سعاد» يبدو لها أنها تحدث الله عن بنت تدعى سعاد، وأن هذه البنت ليست هي، ثم لا تلبث أن تدرك أنها هي لكنها تردد: يا رب خذ بيد سعاد. وكأنها ليست هي.
وفي مرة وهي تدعو الله وتقول: يا رب خذ بيد سعاد ونجحها هذا العام. تذكرت فجأة أن في فصلها ثلاث تلميذات غيرها اسمهم سعاد، فهتفت على الفور: يا رب خذ بيد سعاد حسن أبو زيد. وقد خشيت أن يخطئ الله وينجح سعاد أخرى غيرها.
وفي مرة أخرى اشتد خوفها من السقوط في الامتحان، فأخذت تكلم الله وهي راكعة وتقول له: والنبي يا رب لا تجعل سعاد تسقط هذا العام أيضا، والأفضل أن تجعلها تموت لأن الموت عندها أهون من السقوط. وأحست بدموعها الساخنة تنهمر على وجهها، وأدركت أن الله لا بد يراها ويرى دموعها، لكنها كانت لا تزال تتشكك في أن الله وهو في السماء يمكن أن يراها وهي داخل حجرتها، وخيل إليها أن الله قد يسمعها؛ لأن الصوت يمكن أن يخرج من النافذة المفتوحة إلى السماء مباشرة، وكانت دموعها تنهمر على وجهها بغير صوت، فأخذت تنشج بصوت عال وتقرب رأسها من النافذة وهي ترفع يديها وتقول: يا رب خذ بيدي ونجحني. وأحست أنها تخدع الله بدموعها، مع أن رغبتها في البكاء حقيقية، وهي تكبتها منذ زمن بعيد، وتريد أن تبكي وتبكي، لكن عقلها أدرك بطريقة خفية ماكرة أنها تبكي لتستدر عطف الله عليها فينجحها، لكن أحدا لا يستطيع أن يخدع الله، والله يكشف ما في الصدور، وسرت فوق جسدها رجفة، وخيل إليها أن الله سيغضب منها ويسقطها في الامتحان عقابا لها على خداع الله، واستغفرت الله ثلاثا واستعاذت به من الشيطان الرجيم ثلاثا، وقطعت الصلاة وجففت دموعها ثم بدأت من جديد بغير بكاء، وفي الركعة الأخيرة رفعت يديها عاليا وقالت: يا رب خذ بيدي ونجحني، ولو نجحتني هذا العام فسوف أصلي بانتظام ولا أخلف يوما واحدا، وأطيع أبي وأمي طاعة عمياء.
إلا أنها ما أن نطقت بهذه الكلمات حتى أصابتها رجفة، فقد رنت الكلمات في عقلها، كأنما الصلاة والطاعة رشوة تقدمها لله ثمن نجاحها، مع أن الصلاة واجبة والطاعة واجبة كما قال أبوها، سواء سقطت أم نجحت، ومهما حدث للإنسان من مصائب وكوارث وسقوط فلا يفقد ثقته في الله، ويظل يعبده ويصلي له حتى آخر العمر.
وخيل إليها أن صلاتها أصبحت باطلة، فكيف تفكر في رشوة الله، بل كيف تتصور أن الله يقبل الرشوة مثله مثل أي شخص بغير ضمير، واستغفرت الله ثلاث مرات واستعاذت بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، ثم قطعت الصلاة وبدأتها من جديد، واختتمتها بدعاء قالت فيه: أشكرك يا رب وأحمدك سواء نجحتني أم سقطتني.
وظلت الكلمات الأخيرة تتحرك في عقلها، وتقول لنفسها إن الله هو الذي ينجحها وهو الذي يسقطها، والنجاح أو السقوط مكتوب عليها بإرادة الله قبل أن تولد، وكل شيء في حياتها كتبه الله قبل أن تأتي إلى الحياة كما قال لها مدرس الدين ، وشعرت بنوع من اليأس وهي تردد هذه الكلمات بينها وبين نفسها، وأدركت أنه مهما ذاكرت ومهما بذلت من جهد فلن تنجح إذا كان الله قد كتب لها السقوط، وانتابها إحساس بالراحة والاستسلام للمصير المحتوم وأنها مغلوبة على أمرها، وليس لها يد ولا إرادة لو أنها سقطت هذا العام، لكن شعور الراحة سرعان ما أعقبه شعور بالخوف من عقاب أبيها، وأعقب الخوف نوع من التمرد، فلماذا يعاقبها أبوها إذا كان الله هو الذي أراد لها السقوط؟ وهل كان يمكن لها أن تنجح ضد إرادة الله مهما ذاكرت ومهما صلت وصامت ورفعت يديها بالدعوات؟
قبل أن تنام تلك الليلة همس لها عقلها بأن تكف عن الصلاة والدعوات والمذاكرة وكل شيء، فما فائدة أي شيء، بل ما فائدة السقوط أو النجاح؟ وما فائدة الحياة كلها إذا كانت نهايتها الموت؟ وهي ستموت في النهاية سواء نجحت أم سقطت، وأغمضت عينيها ونامت بعمق وهي سعيدة. •••
في الصباح تبخرت فكرة الموت من عقلها وتلاشت بمثل ما تلاشى الظلام تحت أشعة الشمس، ورأت مكتبها ومن فوقه الكتب والكراريس، وصوت أبيها في الصالة يناديها لتصحو من النوم وتبدأ المذاكرة قبل أن تشتد حرارة الشمس.
وما إن يخرج أبوها من البيت حتى تقفز من فوق مكتبها، وتجري إلى أمها لتأذن لها بالخروج، لكنها لم تعد تأذن لها باللعب، وتهددها بأنها ستبلغ أباها إذا خرجت، وتبقى سعاد داخل البيت تتجول في الحجرات، أو تطل من النافذة أو تساعد أمها في المطبخ أو تمسك الشاكوش والكماشة، وتدق أحد الكراسي المكسورة، تمسك الشاكوش كأنه فأس وترفعه إلى أعلى ثم تهبط به بكل قوتها فوق رأس المسمار، تكرر الضربات وتحرك عضلات ذراعها وكتفها وعنقها وظهرها، تحركها بكل قوتها حتى يتساقط العرق من جبتها، تستشعر في الحركة لذة عجيبة ونوعا من الراحة، كأنما في جسدها ألم دفين لا يضيع إلا بالحركة، أو طاقة ضخمة مخزونة كالبخار المضغوط، تضغط على صدرها وعقلها وذراعيها وساقيها، تود لو حركت ساقيها بكل قوتها وضربت الأرض والجدار، أو حركت ذراعيها بالشاكوش وضربت مكتبها الخشبي بكل قوتها، وأحيانا كانت تضرب المكتب بقبضة يدها متصورة أنها قادرة على تحطيمه، لكن المكتب يظل كما هو ويدها هي التي تحمر وتلتهب.
داخل جسدها طاقة مكبوتة تسعى نحو الحركة، وداخل عقلها حركة لا تعرف كيف تخرج، وكلما جاء إلى البيت نجار أو سباك وقفت إلى جواره، عيناها تتابعان يديه وهو يشتغل، تراقب النجار كيف يدق المسامير وكيف ينشر الخشب بالمنشار، وأحيانا تأخذ منه المنشار لتحرك يديها مثله وتدق معه المسامير، وتتعلم من السباك كيف يفك صنبور الماء وكيف يركب داخله قطعة الجلد، وتلف في حجرات البيت تبحث عن شيء تدقه أو تفكه أو تصلحه.
Неизвестная страница