الساعة السادسة صباحا.
كان مساء الأمس مساء مشهودا.
أمضيت شطرا من الليل مع أهل بيتنا، ثم جاءني أحد أصحابي المصريين، فلما انتصفت الساعة الحادية عشرة استأذنا وخرجنا، ولم نسر إلا قليلا حتى قابلنا صديق ثالث اتخذ طريقة هو الآخر معنا، وذهبنا جميعا إلى القهوة، وبعد نصف ساعة أردت أن أعتذر لأذهب لأنام فأستريح استعدادا للسفر ... فقال صديقي ع. ف: يا شيخ دي آخر لياليك في باريس، خليك معانا.
وبقيت معهم. فلما اقترب منتصف الليل نزلنا إلى التافرن فوجدناها هائصة بالشبان والبنات والموسيقى والدخان والطرب وأنصاص البيرة وكاسات الكنياك والوسكي وكل ما شئت من الكحول، وبعد أن درنا في المكان دورة وجدنا مكانا منزويا هادئا، فجلسنا فيه جميعا، ولما نكد حتى مرت بنا إحدى البنات فسلمت على ع. ف. وجلست، وبعد لحظة جاءت أخرى وجاءت بعدها ثالثة، وهكذا كنا حول المنضدة دستة، ثلاثة شبان متجاورين أنا في وسطهم وثلاث بنات متجاورات كذلك، فلما مضت اللحظة الأولى وما يخالطها عادة من السكون الصامت قالت إحداهن وهي الوسطي: إن ترتيبا هكذا ليس بشيك، بل يجب أن تجلس كل واحدة إلى جانب شاب، فقم أنت (وأشارت إلي) فبادلني مكانك وبذلك يتم الترتيب.
وعقبت الأخرى: وهكذا تبقيان مقابل بعضكما تتبادلان النظرات كما تشاءان
أليست خبيثة هذه المرجريت؟ هي تكسب من وراء انتقالها أن تلصق فخذها بفخذ شاب، وتبقى تتبادل النظرات مع الآخر.
مارجريت :
وأنت ماذا يضرك من وراء ذلك؟ ألا يعجبك الشاب الذي تتبادلين النظرات معه؟ وهلا يسرك أن تلصقي فخذيك بشابين، بدل أن أكون أنا أحد جيرانك!
وجاء الجرسون بالمشروبات، ولما انتهت استأذنت ثانية أريد أن أقوم.
فأمسك بي ع. ف. من جديد، وبينما أنا أتردد قامت مارجريت فتركتنا ولم تعد، وجلست أنا ثانية وخيم علينا السكوت برهة، فقامت ثالثة الفتيات وبقيت جارة ع. ف. فتوثقت منه أن سيكون بغرفته غدا الساعة الرابعة ثم انصرفت هي الأخرى، وبقينا نحن الثلاثة في ركننا الحريز، وقد علتنا دهشة غريبة وكأن قيام هاتيك الفتيات قطع علينا تيار خيالاتنا وأفكارنا، فبقينا صامتين جامدين لا نقول كلمة ولا نفوه بحرف، وأخيرا نادى ع. ف. بالجرسون وطلب منه شرابا جديدا، وتجددت بذلك النشوة وانقضت السويعة الصامتة وابتدأنا من جديد حديثنا.
Неизвестная страница