رأى في مركبة مفتوحة، انتزعت جيادها منها مراعاة لشدة الزحام شيخا بدينا في ثوب أزرق، وأزرار براقة، وسراويل من المخمل، وحذاء طويل، وبجانبه شابتين في ثياب هفافة وريش، وفتى في نضارة العمر، يبدو عليه أنه يحب الغادتين، وسيدة لا يستطيع المرء أن يقدر سنها، وأكبر الظن أنها خالتهما، ومعهم المستر طبمن وهو مطمئن مرتاح، كأنه يمت إلى الأسرة بنسب منذ طفولته، وقد ربطت بمؤخر المركبة سلة كبيرة من تلك السلال التي تثير في الخاطر القوي الخيال صور الدجاج البارد واللسان وزجاجات النبيذ، وفي مقعد السائق جلس غلام بدين محمر الوجه، وهو يهوم في مجلسه تهويما، لا يكاد الداني المتأمل يبصره على هذه الصورة، حتى يعتقد أنه سوف يكون الساعي على القوم بما حوته تلك السلة من أطياب، عندما يحين الوقت المناسب لتناولها.
وألقى المستر بكوك نظرة عجلى على هذه المشاهدة الممتعة، وإذا هو يتلقى تحية أخرى من مريده الأمين؛ فقد صاح المستر طبمن به قائلا: «بكوك ... بكوك ... أقبل ... أسرع إلينا.»
وتلاه الشيخ البدين مناديا: «تعال يا سيدي، أرجوك أن تأتي ... يا جو؟ ... لعنة الله على هذا الغلام، لقد عاد إلى النوم ... أي جو ... أنزل السلم.»
فنزل الغلام من فوق مقعده ببطء، وأنزل سلم المركبة ، وأمسك ببابها مفتوحا أمام المستر بكوك ليدخل، وفي هذه اللحظة أقبل المستر سنودجراس والسيد ونكل.
وصاح الرجل البدين: «إن في المركبة متسعا لكم جميعا أيها السادة ... اثنان في جوفها، والآخر خارجها ... يا جو ... هيئ مكانا لأحدهم فوق المقعد، والآن يا سيدي هلم.» وراح يمد ذراعه، ويجذب المستر بكوك أولا، ثم المستر سنودجراس بعده، إلى الدخول بالقوة، وصعد المستر ونكل إلى المقعد، وفي إثره الغلام النوام، ولم يكد يستقر في مجلسه حتى ذهب في النعاس.
وأنشأ الرجل البدين يقول: «أهلا بكم أيها السادة ... إني لفرح بلقائكم، وأنا عليم بكم حق العلم، وإن كان من المحتمل أنكم لا تذكرونني، فقد قضيت بضع أمسيات في ناديكم خلال الشتاء الماضي، والتقيت مصادفة بالمستر سنودجراس في هذا الصباح، وسرني لقاؤه السرور كله، والآن كيف أنت يا سيدي؟ إنك لتبدو في خير وعافية أكثر من أي وقت آخر.»
فشكر المستر بكوك له هذه التحية، وصافحه بمودة وتلطف.
ودار الرجل البدين بعينه إلى المستر سنودجراس في حنان أبوي، فقال: «والآن ... كيف حالك يا سيدي؟ بديع؟ أليس كذلك؟ حسنا؟ ... هذا جميل ... هذا جميل ...» وانثنى إلى المستر ونكل، فمضى يقول: «وكيف أنت يا سيدي؟ حسنا ... إنني لسعيد أن أسمعك تقول إنك بخير ... حقا إنني لسعيد ... هاتان ابنتاي يا سادة ... وهذه أختي مس راشل واردل، هي آنسة، ومع ذلك ليست آنسة، إيه يا سيدي ... إيه!» ومضى يضع مرفقه مداعبا بين أضلاع المستر بكوك، ويضحك من أعماق قلبه.
وقالت مس واردل بابتسامة متعبة: «ما هذا يا أخي؟ ... ويحك!»
قال: «حقا ... حقا ... وهل ينكر أحد ذلك أيها السادة؟ أستميحكم المعذرة، هذا صديقي المستر «تراندل»، والآن قد تعارفتم جميعا، فلنطمئن ولنسعد، ولنر ماذا نحن صانعون بعد ذلك ... هذا هو ما أقوله.»
Неизвестная страница