وما كاد يختم هذا القول بالكلمات الثلاث الأخيرة بصوت جهير، حتى تسلل مزهوا متعاظما في إثر صديقه، وتبعهما على الأثر الدكتور سلامر دون أن يقول شيئا، وإنما قنع بإلقاء نظرة ساخرة على القوم جميعا.
وكان الغضب المتزايد، والدهشة المتناهية، قد هاجا في صدر المستر بكوك، وأثارا عاطفة النبل في جوانحه، حتى كاد صداره ينشق عند سماعه ذلك التحدي السافر، فوقف مسمرا جامدا في مكانه، ينظر نظرات فارغة، ولكن صوت انغلاق الباب أثابه إلى رشده، فانطلق وسورة الغضب بادية في عينيه، والنار متأججة في ناظريه، ويده على أكرة الباب، وكانت في اللحظة التالية ستمسك بعنق الدكتور «بين» طبيب الآلاي الثالث والأربعين، لولا أن جرى المستر سنودجراس وراءه، فأمسك رئيسه الموقر من ذيل ردائه، وراح يجره جرا.
وصاح المستر سنودجراس بصاحبيه قائلا: «أمسكاه يا ونكل وطبمن، فلا يصح أن يعرض للخطر حياته الغالية في أمر كهذا.»
وقال المستر بكوك: «دعوني أذهب.»
وعاد المستر سنودجراس يصيح بهما قائلا: «شددا الإمساك به.»
وهكذا تعاون القوم جميعا على إرغام المستر بكوك على التهالك في مقعد رحيب.
وقال الغريب ذو الثوب الأخضر: «دعوه وخلوا عنه ... بكأس من البراندي والماء ... يا له من شيخ بديع، ممتليء شجاعة وإقداما ... اشرب هذا الكأس ... هم، إنه شراب مفتخر.»
وكان من قبل قد ذاق حلاوتها، بعد أن تولى الرجل التعس «شعشعتها»، وتقدم الغريب بالكأس فقربها من شفتي المستر بكوك؛ فلم تلبث بقاياها أن توارت في جوفه.
وساد السكون لحظة، وفعلت كأس البراندي فعلها؛ فعاد وجه المستر بكوك ينطلق واسترد تهلله المألوف.
وقال الرجل «التعس»: «إنهم لا يستحقون منك التفاتا.»
Неизвестная страница