Записки Пиквика

Аббас Хафиз d. 1378 AH
178

Записки Пиквика

مذكرات بكوك

Жанры

وكان سلوك المستر ويلر لا غبار عليه، ولا لائمة إلا من حادثة واحدة تنم عن نزق لطيف، شاركته فيها مساعدة خادمة، فلم يتردد المستر بكوك في إتمام العقد في ذلك المساء بالذات، وبتلك السرعة وذلك النشاط اللذين عرفا عن ذلك الرجل النادر، لا في تصرفاته العامة فحسب، بل في كل تصرفاته الخاصة أيضا، بادر في الحال إلى أخذ خادمه الجديد إلى سوق من تلك الأسواق الرخيصة التي تباع فيها الثياب الجديدة والمستعملة، ويستغني فيها عن متاعب الشكليات، كأخذ المقاس، وتجربة الأزياء ونحوها، فلم يكد يحل الليل حتى تم تجهيز المستر ولر برداء رمادي اللون، وضعت عليه شارة «نادي بكوك»، وقبعة سوداء ذات شريط، وصدار قرنفلي اللون مخطط، وسراويل خفيفة، وأغطية ساق، وأنواع أخرى كثيرة لا يحدها الحصر.

وانثنى ذلك الإنسان الذي تحول فجأة كل هذا التحول يقول، وهو يتخذ مجلسه خارج المركبة الحافلة الشاخصة إلى «ايتانسويل» في صباح اليوم التالي: «إني لفي عجب! هل يراد مني أن أكون حاجبا، أو سائسا، أو حارس صيد، أو بائع بذور؟ فإني لأبدو خليطا من هؤلاء جميعا، ولكن لا بأس، إن فيه لتبديلا للهواء، ورؤية كثير من المناظر، وقليلا من العمل، وكل ذلك علاج للفاقة التي أشكو منها مر الشكوى ... فليحي البكوكيون ...!»

الفصل الثالث عشر

وصف لدائرة إيتنزول الانتخابية، ومراكز الأحزاب فيها ، وانتخاب نائب في البرلمان عن تلك الدائرة القديمة الوفية الوطنية. ***

دعنا نعترف صراحة بأننا إلى الفترة التي بدأنا فيها نغوص في مجلدات محاضر نادي بكوك، وأوراقها الضخمة، لم نكن قد سمعنا «بإيتنزول» أبدا، بل دعنا نقر بتلك الصراحة ذاتها أننا قد بحثنا عن دليل يثبت وجود هذا الموضع في عهدنا الحاضر، ولعلمنا بالثقة البالغة التي ينبغي أن توضع في كل مذكرة أو بيان من جانب المستر بكوك، ونفيا لكل رغبة منا في تغليب ذاكرتنا على بيانات ذلك الرجل العظيم، وتصريحاته المدونة في السجلات، مضينا نستأنس بكل المراجع والمظان التي تتصل بهذا الموضوع، ونتابع كل اسم وارد في قوائم «أ و ب»، فلم نعثر على أثر فيها «لإيتنزول» في حرف الألف، ولا في الحرف الذي يليه، وتقصينا البحث أيضا في كل ناحية من خرائط الجيب، والمصورات الجغرافية للأقاليم التي يصدرها كبار الناشرين عندنا لخدمة الجمهور؛ فلم نعثر فيها على أثر لذلك الاسم، فلا غرو إذا نحن اعتقدنا أن المستر بكوك قد تعمد الاستعاضة عن اسم الموضع الذي دون ملاحظاته عنه باسم مصطنع، تحدوه تلك الرغبة الملحة في تحاشي الإساءة إلى أحد، وتحفزه تلك المشاعر المرهفة التي يعرف كل من عرفوه حق المعرفة أنها أروع خلاله، وأبرز سجاياه، وقد تأكد هذا الاعتقاد لدينا من حادث يلوح صغيرا وتافها في حد ذاته، ولكنه جدير بالتنويه، إذا نحن نظرنا إليه من هذه الناحية، فقد تيسر لنا أن نستخلص من «كناشة» المستر بكوك عبارة تفيد بأن الأماكن المطلوبة له ولمريديه كانت محجوزة قبيل السفر في المركبة الحافلة الشاخصة إلى «نوروك»، وإن كانت هذه العبارة قد شطبت فيما بعد، كأنما أريد إخفاء كل شيء يتصل بموقع هذه الدائرة، والطريق المؤدي إليها، ولهذا لا نريد أن نضرب في أودية الحدس، بل نمضي سراعا في سياق هذا التاريخ، قانعين بالمواد التي يسرها أبطاله لنا، والأشخاص الذين ورد ذكرهم في ثناياه.

يبدو إذن أن أهل «إيتنزول» كأهل عدة بلدان صغيرة أخرى، يعدون أنفسهم قوما لا يدانيهم أحد في خطر الشأن، وعلو المكانة، وأن كل رجل في «إيتنزول» يشعر بالقدر الواجب لأمثاله، فلا يتردد في الانتساب قلبا وقالبا إلى أحد الحزبين الكبيرين اللذين تقاسما البلدة بينهما، وهما حزب «الزرق»، وحزب «الصفر»، فأما الزرق فلا يدعون فرصة إلا انتهزوها لمعارضة الصفر، ولم يكن الصفر ليدعوا فرصة إلا اهتبلوها لمعارضة الزرق، فكانت النتيجة أنه كلما التقى الزرق والصفر في اجتماع عام، سواء في قاعة البلدية أو المولد أو السوق، تبادلوا الكلمات الحادة، والألفاظ النابية، والنزاع المستحر، حتى لنحسب مع كل هذه الخلافات أننا بحاجة إلى القول بأن «الحزبية» في «إيتنزول» دخلت في كل شيء. فإذا اقترح الصفر بناء «كوة» في سقف السوق العامة؛ لدخول النور إليها، عقد الزرق اجتماعات، ونددوا بهذا الاقتراح وشنعوا عليه، وإذا اقترح الزرق إنشاء مضخة إضافية في شارع «هاي ستريت»، هب الصفر هبة رجل واحد، وأعلنوا استنكارهم لهذه الكبيرة المنكرة، وكانت في البلدة صحيفتان، صحيفة «الغازت إيتنزول»، وفنادق لهؤلاء، وفنادق لأولئك، وفي الكنيسة ذاتها للزرق جناح، وللصفر جناح.

ولم يكن بد لكل حزب من هذين الحزبين القويين بطبيعة الحال من أن يختار لسانه الناطق، وممثله الصادق، فكانت في البلدة صحيفتان: صحيفة «الغازت إيتنزول»، و«الإيتنزول الإنديبندنت»، أولاهما تذود عن مبادئ الزرق، والأخرى تنتهج سياسة الصفر قطعا، وكانت الصحيفتان ظريفتين بديعتين، فهما فصول افتتاحية أي فصول! وهجمات حامية أية هجمات! فتقول إحداهما عن زميلتها: «رصيفتنا الغازت المعدومة الفضل.» وتقول هذه: «الإنديبندنت المخادعة الخسيسة.» وتتحدث هذه عن «الغازت» قائلة: «تلك الصحيفة السافلة، العيابة الدساسة.» إلى آخر تلك الشتائم المثيرة للنفوس التي تتناثر غزارا في أعمدة كل صحيفة منهما، وتفيض بها أنهارها، ولا يخلو منها عدد من أعدادها، وتلك العبارات التي يسر لها القراء أشد السرور، أو يغضبون منها أبلغ الغضب، وكل حزب بصحيفتهم مرحون ...

وقد اختار المستر بكوك ببعد نظره المعروف، وفطانته المشهورة، الوقت الملائم كل الملاءمة لزيارة تلك الدائرة، فما عرف يوما فيها تنافس حامي الوطيس كذلك التنافس على الترشيح، بين «الأونورابل» صمويل سلمكي، من سلمكي هول، مرشح الزرق ، والسيد هوراشيو فزكن، من فزكن لودج بقرب إيتنزول الذي ألح عليه أصدقاؤه في قبول ترشيح نفسه عن حزب الصفر، وراحت صحيفة «الغازت» تهيب بالناخبين في الدائرة ألا ينسوا أن الأنظار - لا في إنجلترا فحسب، بل في جميع أرجاء العالم المتحضر أيضا - تتطلع إليهم، بينما طالبت «الإنديبندنت» حتما بأن تعرف هل ناخبو دائرة «إيتنزول» لا يزالون على عهدها بهم رجالا عظماء النفوس، أو انقلبوا آلات مهنية مسخرة، لا يستحقون اسم «الانجليز»، ولا هم جديرون بنعمة الحرية التي حباهم الله بها. وهكذا لم تشهد البلدة من الحمية والحماسة في يوم من الأيام قدر ما شهدت منهما الآن.

وكان المساء قد أوغل حين نزل المستر بكوك وصحبه من سقف المركبة الحافلة بمعاونة سام، فإذا هم يشهدون أعلاما زرقاء كبيرة ترفرف من شرفات فندق «تاون أرمز»، ويرون اللافتات منصوبة في كل نافذة، معلنة بحروف ضخمة أن لجنة الأونورابل صمويل سلمكي تنعقد يوميا في ذلك الفندق، ويبصرون حشدا من المتسكعين والمتبطلين قد ازدحم الطريق بهم، وهم يتطلعون بأبصارهم إلى رجل مبحوح الصوت جاهدا، حتى احمر من كثرة الصراخ وجهه، وإن كانت قوة حججه، ومحور خطابه قد ضاعا إلى حد ما وسط الدقات المستمرة من أربعة طبول ضخمة، كانت اللجنة الانتخابية المناصرة للمستر «فزكن» قد أقامتها في ركن الشارع، وكان بجانب الخطيب رجل نحيف كثير الحركة، جعل يرفع قبعته بين لحظة وأخرى، ويشير إلى الناس بمعاودة التصفيق والهتاف لذلك الخطيب، فكان الناس لا ينفكون يفعلون ذلك وهم في أشد الحماسة. ولبث السيد المحمر الوجه مسترسلا في الخطابة حتى ارتد وجهه أشد احمرارا، كأنما كانت حماسة القوم عنده وافية بالغرض، حتى ولو لم يسمع أحد مقاله.

وما إن نزل البكوكيون من المركبة، حتى أحاط بهم فريق من أفراد الغوغاء المخلصين الأوفياء، هاتفين ثلاثة هتافات تصم الآذان، وما لبث جموع الغوغاء الأخرى أن رددت تلك الهتافات؛ لأنه ليس من الضروري مطلقا أن يعرف المحتشدون حقيقة ما هم هاتفون بسبيله! فلم يلبث ترديدهم أن استحال إلى زئير انتصار يدوي في الفضاء دويا، حتى اضطر الخطيب المحمر الوجه في الشرفة إلى الوقوف عن الكلام.

Неизвестная страница