وعلى هذا خرجنا من «الأشلة» كما كانت تقول «الحرمة» لجماعات المهنئين بخروج حنفي سليما، ولكن على المعاش، وعلى رأي أحد إخواننا العتر حينما قالي: «روق يا بو محمود، الحمد لله اللي جت على كده، يا ما السلطة كفنت ودفنت، فداك ستين صباع يا عم، إذا كانت الحكومة عايزة كده خلينا ندهس، دي رخصتهم سواقة ودهس.»
وودعت قصر العيني وداعا حارا، ودعت أكل المرضى اللي «ضناني» وخرجت بالطبل والزمر، وقامت «الولية» بالواجب فاستقبلنا في منزلنا الحقير الحبايب والجيران، وجيران الجيران، وحليت «الصهبة» ولعلعت في فضاء التعالية المواويل الحمر، وانفرد الحاج برعي قائلا: «حن الحديد لجل حالي وأنت لم حنيت.»
فنظر إلي أحد إخواننا المعلمين قائلا: «ده بيقول على الكوتش بتاع الأوتوموبيل اللي دهسك يا بو محمود.»
وانتهت الليلة على خير كما انتهت حياتي العملية، وأصبحت الآن في المعاش، عربجي قديم كهنة، يلذ له أن يجلس بين إخوانه، ويحدثهم بما وقع له أيام كان في الخدمة على نغمة تعميرة التنباك، وطعم القهوة السادة ، مد الله في آجالكم أيها القراء وأماتكم مستورين، وبأي طريقة إلا تلك التي كنت على وشك أن أضيع بين براثنها.
وأنا في الخدمة وخارجها، محسوبكم.
حنفي أبو محمود
فين أنت يا حنفي
وبالرغم من أن حياتي العملية قد انتهت بسلام، لم يشأ الأديب ابن راشد إلا أن يظهر أسفه على ما حل بي، مظهرا حنوه علي، أثابه الله بأحسن ما أرجوه له من خير، قال - حفظه الله:
فين أنت يا حنفي
أسفت لما حل بك - عافاك الله - ووالله ما كانت الأنامل التي عرفت كيف تسير القلم لتسمعنا أزيزه على صفحة القرطاس أنات المروءة والعفاف والوطنية الصادقة من العابثين بها - ما كانت تلك الأنامل لتجازي من القدر بقطعها - صعب علي أن أتصور تلك النفس الكريمة تئن تحت يد الجراح، ولكنه القدر ولا قوة إلا بالله - وحرام علينا أن نسمع بعد اليوم «من النكات السقع» ما يضحك له الإنسان «مجاملة» «ويخرج من الموضوع بغير فائدة لا فيش ولا عليش» فكم من دعي وأديب منزو «وكاتب مش كاتب» «يخبط» النكتة تلو الأخرى - ولا مغزى ولا طائل - وأنت أدرى الناس - مد الله في أجلك - أن من كان يصيغ الحكمة في قالب النكتة - ليشوق إليها المطلع - قليل - وقليل ما هم أولئك النفر، وأنت منهم - فلا غرابة أن حزن قراء الكشكول عند غياب «أبو محمود» وحديثه.
Неизвестная страница