Мои воспоминания 1889–1951
مذكراتي ١٨٨٩–١٩٥١
Жанры
حاول أنصار الفتح والاستعمار أن يطوقوا الأمم بسلاسل الأسر والاستعباد بعد أن تم لهم النصر في ميادين الحرب العامة «الأولى»، وظنوا أن العالم في قبضة يدهم والأمم سلع تباع وتشترى في سوق الأطماع والأهواء. ولكن إذا كان للسيف والمدفع في الدنيا أحكام، فلعزم الأمم وحزمها وجدها وإخلاص بنيها أحكام وآثار؛ فالقوة الغشوم لا سلطان لها على الأرواح والمبادئ والعقول والأفكار، وليس في مقدورها أن تقف نهضة أمة تسير إلى الأمام نحو المطمح الأسمى.
برهنت الحوادث التي تعاقبت بعد انتهاء الحرب العامة على أن العالم قد دخل دورا جديدا من أدواره التاريخية، وهو دور حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. ومهما يبذل دعاة الفتح والاستعمار من الجهود في مقاومة هذا الحق المقدس؛ فإن الشعوب تأبى أن تعيش مستعبدة تسوقها إرادة المستعمرين؛ لأن من أعظم نتائج الحرب العامة ارتقاء القوى المعنوية في الأمم وإدراكها أن تلك القوى الكامنة فيها إذا اتحدت وعملت فلا سبيل للقوة أن تتغلب عليها.
لقد رفعت الغشاوة القديمة عن أبصار الشعوب، وقرأت مبادئ الحرية ومعاني الحياة الصحيحة على ضوء النار التي اشتعلت في ميادين القتال أربع سنوات طوال ؛ فإن التاريخ قد خطها بأحرف لا تمحى من دماء الملايين من بني الإنسان، فسمع الناس في سائر أرجاء الدنيا نداء الحلفاء في كل آونة أن تلك الدماء والضحايا تبذل دفاعا عن حرية الشعوب؛ فالناس في مختلف الأرجاء قد سمعوا هذا النداء ووعوه، وهيهات أن ينسوه، وما من قوة في العالم تستطيع أن تغير سير التاريخ أو تصد أمواج الحرية التي تتدفق في مشارق الأرض ومغاربها.
إن المؤتمرات والمعاهدات لم تعد تملك البت في مصير الأمم، وقد أيدت حوادث التاريخ تلك الحقيقة الأزلية: «الحكومات تمر وتزول والأمم تبقى وتدوم.»
فقديما انعقد مؤتمر فيينا سنة 1815 بعد أن خرجت الدول الأوروبية فائزة من حروب نابليون، وظن الملوك والسياسيون أنهم قادرون على التصرف في أقدار الأمم بعد أن تخلصوا من خصمهم القوي العنيد، فوضعوا في فيينا أساس «المحالفة المقدسة» التي تعاهد الملوك فيها على أن يحكموا الشعوب حكما لا رأي فيه للأمم ولا قيمة فيه للحقوق الوطنية. ولكن الحوادث خيبت آمالهم؛ فإن الشعوب أخذت تعمل على استرداد حقوقها المشروعة في الحرية والحياة، وأخذت أركان معاهدة فيينا تتداعى تحت تأثير مبادئ الحرية التي انتشرت بين الشعوب الغربية في أثناء حروب نابليون. ولم تكد تمضي أعوام معدودات حتى انفرط عقد المحالفة المقدسة وتغلبت إرادة الشعوب على قوة السياسيين المتآمرين على حرية العالم، وتحطمت القواعد والأركان التي شيدتها الأهواء السياسة والمطامع الاستبدادية في مؤتمر فيينا.
فالتاريخ يعيد نفسه بعد مائة عام، مع فرق عظيم في مبلغ ارتقاء الشعوب وانتشار مبادئ الحرية التي عمت الدنيا بأسرها شرقا وغربا، ولا غرو فليس في التاريخ حرب أمكنها أن تهز أعصاب الإنسانية كلها وتنبه الأمم التي كانت غارقة في بحار الخمول والجمود مثل الحرب الأخيرة. فلا عجب أن يسير العالم الآن إلى الأمام بخطوات سريعة لم يخطها من قبل، وإن آثار ذلك لماثلة للعيان في تطور الحركات الوطنية والنهضات القومية بين الأمم المهضومة الحقوق؛ فالأمم التي تصرفت مؤتمرات الحلفاء في مصيرها لا يمكن أن تستسلم لأحكام الهوى ولا أن تذعن لقرارات تلك المؤتمرات؛ لأن الشعوب أقوى وكلمتها هي العليا، والإنسانية الجديدة، وليدة الأجيال المتعاقبة، وليدة الأحزان والآلام، وثمرة التجارب والمصائب والمتاعب، تأبى أن تعيش الآن في ظلام العبودية، فحسبها ما تحملته الأمم من المصائب لتنفر من كل نظام يحول بينها وبين حريتها واستقلالها، وليس في استطاعة العابثين بأقدار الشعوب مهما أوتوا من بطش وقوة أن يحرموا الأمم من رحمة الله ونعمة الحرية.
فالدور الذي دخلته الإنسانية بعد الحرب العامة هو دور حرية الشعوب والأمم، هو دور الأمل والعمل، فيجب أن نعمل ونور الأمل يضيء لنا السبيل، يجب أن نعمل لجهاد طويل تشترك فيه طبقات الأمة وتنظمه إرادتها العامة.
يجب أن نمضي في سبيلنا دون أن نرجع إلى الوراء أو نقف في منتصف الطريق أو نتعب من طول الجهاد.»
22 يناير سنة 1922
الحياة النيابية
Неизвестная страница