وكان أن نلت من المبلغ المخصص في ميزانية المعارف لتشجيع التمثيل في ذلك العام، ثلاثمائة وخمسين جنيها، وكان عدد الفرق التي منحت مكافآت أربع، كانت فرقتي الثالثة من بينها، حسب الترتيب الذي وضع للمكافآت! وما له معلهش، برضه رضا، لأن هذه كانت المرة الأولى التي أحسسنا فيها تقديرا من الحكومة.
على أن أهم ما سررت له هو أن ممثلي فرقتي فازوا جميعا برضاء اللجنة، ونالوا كلهم مكافآت مالية، بنسبة لم ينلها زملاؤهم في الفرق الأخرى. وتناولت الثلاثمائة وخمسين جنيها، وكنت قبل ذلك قد أعددت كشفا بأصحاب الديون المستحقة علي، وقيمة هذه الديون ومواعيد الاقتراض، وشروط السلفيات، وكيفية التسديد، وما إلى ذلك من أمور أخرى. ورحت أسدد بعض هذه الديون بقدر الإمكان، بعد أن راجعت النظريات الاقتصادية القديمة، التي كنت أسمع بها أيام اشتغالي في البنك الزراعي ولا أعمل بها!
على مسرح الكورسال
وبقى لي من المكافأة - بعد تسديد المستحقات - مبلغ ضئيل استعنت به على افتتاح موسم صيفي في كازينو الفانتازيو بالجيزة، أشكر الله كثيرا على نجاحه كما كنت أقدر وأتوقع. وانتهى موسم الصيف وكان في نيتي أن أعود إلى مسرحي في عماد الدين، لولا ما حدث من سوء التفاهم بيني وبين صاحب الملك، فقد كنت أستأجر منه ذلك المسرح الضيق الصغير بمبلغ ألف جنيه في العام، مع أنني كنت أعمل به ستة أشهر سنويا.
ألغي التعاقد إذن بيني وبين صاحب الملك (المسيو عاداه)، ونظرت حولي باحثا منقبا عن مكان أعمل به، إلى أن عولت على استئجار مسرح الكورسال من الخواجة دلباني، وكان إذ ذاك في موضع عمارة عدس، التي تقع الآن عند ملتقى شارعي الألفي وعماد الدين. تعاقدت مع المسيو دلباني، وبقيت مهمة انتقاء رواية الافتتاح. فاجتمعت لجنة التأليف المكونة من شخصين لا ثالث لهما، وهما محسوبكم كاتب هذه السطور، أو الأحرف زي ما يعجبك، والثاني زميله وصديقه وعزيزه الأستاذ بديع خيري.
اجتمعت اللجنة وتناقش «الأعضاء» في الموضع الذي يقع عليه الاختيار، وهل يحسن أن يكون من نوع الكوميدي أو الريفيو أو الفودفيل ... أو ... أو ... إلخ وطرح أحد الأعضاء - وهو العبد لله - فكرة نالت موافقة «الأعضاء بالإجماع»، والإجماع هو بديع وحده طبعا، لأنني لم أقترع ولم أصوت، بصفتي صاحب الاقتراح.
كان قد ظهر في فرنسا أديب شاب اسمه (مارسيل بانيول) وضع رواية أطلق عليها اسم بطلها (توباز)، واختار له أن يكون مدرسا بسيطا في إحدى المدارس ... التي مش ولا بد.
قرأت هذه الرواية وقرأت ما استقبلت به من النقاد، وعرفت أنها ترجمت إلى جميع اللغات الحية، ونجحت في البلاد الأجنبية نجاحا لم تصادفه رواية قبلها! ولذلك اقترحت أن نقتبسها ونخرجها على مسرحنا، ونلت موافقة «الأعضاء» بالإجماع كما تقدم.
وإني لأذكر أننا قضينا في مهمتنا هذه (بديع وأنا) أسعد ليالي التأليف التي مرت بنا، وكنا كلما انتهينا في الليل من إعداد جزء منها، قرأناه للممثلين في الصباح فأبدوا كبير إعجابهم ومزيد استحسانهم.
إديني عقلك
Неизвестная страница