في «سان باولو»
وفي هذه المدينة عرفنا حقا أننا اجتزنا البحر إلى أمريكا، فهي مدينة كبيرة عامرة وبها جالية سورية تتحكم في أغلب المرافق، بين تجارة وصناعة وأعمال مجدية مثمرة. نزلنا في فندق كبير يديره نزيل سوري، وكان خبر قدومنا قد سرى مسرى الكهرباء، فكان في استقبالنا جمهور يربو على الخمسمائة شخص، أكرموا وفادتنا وأنزلونا منهم على الرحب والسعة.
ومنذ اليوم الأول أظهروا لنا رغبتهم في مشاهدة بعض رواياتنا: فأفهمتهم بأن رحلتنا لم تكن فنية، وأننا ما قصدنا بها إلا الاستجمام والراحة، ولذلك لم نصحب فرقة من الممثلين الذين يمكن أن نعمل معهم. فطمأنونا من هذه الناحية، وأبلغونا أن في المدينة جمعية من الهواة، ما لبث أعضاؤها أن وافونا حيث نزلنا، فإذا على رأسها الشاب جورج أستاتي. نجل المرحومة السيدة ألمظ أستاتي (وقد كانت من مشهورات ممثلات فرقة الأستاذ جورج أبيض قبل ذلك وهي شقيقة السيدة إبريز أستأتى قرينة الأستاذ أمين عطا الله). والظريف أن جورج أستاتي كان يمثل رواياتي هناك، ويطلق على نفسه اسم (كشكش البرازيلي)، كما كان زوج خالته (الأستاذ أمين عطا الله) يفعل في سوريا ولبنان!! ووجدت من أفراد هذه الجمعية البرازيلية شابا اسمه جبران طرابلسي، وقد قرأت في جريدة الأهرام أنه يعمل الآن على رأس فرقة في الأرجنتين متخذا لنفسه (شكشك بك). آل يعني تصرف في اسم كشكش، فقلب كيانه!!
ألفت الفرقة إذن مستعينا بأولئك الهواة، وكنت - من قبيل الاحتياط - قد حملت معي طائفة من أهم رواياتي. ورأيت أن أبدأ بزيارة إدارات الصحف كلها قبل أن أبدأ عملي، وقد قابل أصحابها تأليف الفرقة مقابلة مستحبة! إلا أنني شعرت بأن هناك بونا كبيرا بين ما قوبلنا به من صحافة الجالية السورية، وما قابلتنا به الصحافة الوطنية (البرازيلية). ذلك لأنني أحسست في كتابات الأخيرة شيئا من روح التهكم وعدم المبالاة بما يمكن أن تفعله فرقة «شرقية».
وقد علمت أخيرا أن سبب هذا الفتور إنما يرجع إلى الجفاء بين أهل البلاد الأصليين وبين ضيوفها النازحين، لتمكن الأخيرين من امتلاك أعنة البلاد الاقتصادية.
وجدت نفسي في موقف هو الحرج بعينه، ولكنني مع ذلك أقدمت مستعينا بالله على تذليل ما يعتورني من صعاب.
في جو مكهرب
استأجرت المسرح أربع ليالي بإيجار يعادل خمسين جنيها عن الليلة الواحدة، وعدت إلى الفرقة أجاهد معها في إعداد روايات ريا وسكينة، والبرنسيس، وأيام العز، التي أطلقنا عليها اسم (حلاق بغداد)، وأجهدت نفسي في البروفات، خصوصا بعد أن تكهرب الجو، ورأيت أمامي أعينا مفتحة تريد أن تنتهز فرصة تنال فيها من الشرق والشرقيين. وأقول لك الحق إنني ذكرت ما كان يجب أن أذكره في هذه الآونة! وهو أنني كنت بعملي هذا سائرا في أحد طريقين، فإما للصدر وإما للقبر. ومضت أيام اقتربنا بعدها من الموعد المحدد للتمثيل، فتساءلت عن حركة بيع التذاكر، وهالني أن أعرف بأن المبلغ الذي جمع إذ ذاك وصل إلى ألفي جنيه!!
راعني ما شهدت فعدت إلى نفسي أحاسبهم. ترى ماذا تكون الحال لو قدر الفشل لنا؟ ثم ماذا أكون أنا في نظر أولئك الناس الذين أحسنوا بنا الظن ...؟
ونظرت من خلال ثقب في الستار قبيل التمثيل فما أروع ما شهدت!
Неизвестная страница