أول فيلم سينمائي
وقضيت على هذه الحال المدة من أبريل إلى أغسطس سنة 1933، ثم وصلتني برقية من الأستاذ إميل خوري، الذي كان سكرتير تحرير جريدة الأهرام، يحمل تحويلا بمبلغ خمسين جنيها ويطلب مني أن أوافيه بباريس، لتصوير فيلم كان قد حدثني عنه وقت مروري بباريس. فقمت على عجل بعد أن طلبت من زميلي بديع أن يعد نفسه للحاق بي حين أرسل برقية باستدعائه.
ووصلت إلى باريس وقوبلت بالحفاوة اللازمة، وما هي إلا يومين ثلاثة وبدأت أفهم الفولة!! وإيه هي الفولة؟ هي أن عم خوري أخذ المقاولة من شركة جومون لحسابه هو، وجاء يقنعني بقبول الاشتراك معه بنسبة الثلث، ثم قدم لي سيناريو من وضعه هو، وذكر أنه مشرف لمصر وأنه سينال نجاحا لا نظير له ... وأنه ... إلى آخر الأنهات اللي في الدنيا!
اطلعت على السيناريو فوجدت أنه لا بأس به، إذ تركت لنا الحرية في وضع الحوار الذي يدور بين ممثليه، وفي الحال أرسلت في طلب بديع. ولكن قبل أن يصل الزميل، تقدم إلي إميل وأعطاني نسخة من حوار وضعه باللغة الفرنسية، وطلب إلي ترجمته إلى العربية، بحيث لا نخرج عنه قيد أنملة، فلما قرأته وجدت أنه لا يصلح بتاتا، وخاصة لجمهوري الذي عرفته وعرفني، فحاولت أن أقنع الشريك (المخالف) بأن هذا الحوار في مقدوره أن يسقط بدل الفيلم الواحد فيلمين أو ثلاثة، ولكنه أصر ولم يصغ لأي اعتراض. فصممت إزاء هذه الصلابة على التوقف عن العمل والعودة إلى الوطن، فظل بديع يهدئ من ثورتي، ويعمل على إقناعي بأن عودتي خاوي الوفاض إلى مصر ستطلق ألسنة الناس بالإشاعات والأقوال، وستدع لحضوري فرصة النيل مني، وستكون النتيجة كيت وكيت.
وخشت هذه النصائح في مخي، وزادها ثباتا أن جيبي كان فارغا حتى من ثمن تذكرة العودة، فقلت في نفسي صهين يا واد يا نجيب وأهو فيلم ويفوت ما حد يموت!
وبدأنا عملنا في الفيلم - وقد نسيت أن أذكر لك بأننا اخترنا له اسم (ياقوت) - بدأنا في إخراجه باستوديو جومون يوم الاثنين وانتهينا منه نهائيا يوم السبت التالي، أي أننا كروتناه في ستة أيام!
أما الداعي لهذه «الكروتة» و«الطلصقة»، فهو أن السيد خوري لم يكن يهمه إلا أن يضغط الميزانية. وقد كان، وبعد أسبوعين انتهت عملية المونتاج وجاء خوري ومن معه يجزلون لي التهنئة ويقسمون إنني ... فشر هاري بور وشارل بواييه ومش عارف مين ومين كمان، فهززت رأسي وطمأنتهم بأن الفيلم - مع هذا وذاك - لن تقوم له قائمة، ولن يلاقي أي حظ من النجاح.
أما لماذا نظرت إلى الفيلم هذه النظرة فذلك لأنني صادفت مخرجا لا يفهمني ولا أفهمه وسيناريست عقله زي الحجر وممثلين، سيدي يا سيدي، جمعناهم من الحي اللاتيني ومن جميع الملل والنحل، فمثلا احتجنا لشخص يقوم بدور أستاذ يلبس العمة والقفطان فلم نجد من نسند إليه الدور إلا شخصا فرنسيا لا يعرف من العربية حتى اسمها. وقس على ذلك بقية الأدوار الهامة وغير الهامة، أي أن صيغة منتهى الجموع بتاعة قلة البخت، قد تفضلت بمرافقتي في ذلك الفيلم من بدايته إلى نهايته. ما علينا والسلام نقول إن نجاح هذا الفيلم بعد عرضه كان نسبيا لأنه - كما قلت - لم يكن شعبيا وقد اقتنع ممول الفيلم بصحة ما ذهبت إليه ولكن بعد إيه ... بعد خراب مالطة.
وقبل أن أبارح باريس «ليموني» على خمسين جنيها أخرى على أن أتناول حصتي في الأرباح بعد عرض الفيلم في مصر وعلى خير!
عودتي إلى المسرح
Неизвестная страница