185

لأمره ، وابلغ في تكذيبه ، واسرع في تفريق اتباعه ، من بذل النفوس والخروج من الأوطان ، وانفاق الأموال.

وهذا من جليل التدبير ، الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات ، ولهم القصيد العجيب ، والرجز الفاخر ، والخطب الطوال البليغة ، والقصار الموجزة.

ولهم الاسجاع والمزدوج ، واللفظ المنثور ، ثم يتحدى به اقصاهم ، بعد ان اظهر عجز ادناهم.

فمحال اكرمك الله ان تجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر ، والخطأ المكشوف البين ، مع التقريع بالنقص ، والتوبيخ على العجز.

وهم اشد الخلق انفة ، واكثرهم مفاخرة ، والكلام سيد عملهم ، وقد احتاجوا اليه ، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض ، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة.

وكما انه محال ان يطبقوه ثلاثا وعشرين سنة ، على الغلط في الأمر الجليل لمنفعة ، فكذلك محال : ان يتركوه وهم يعرفونه ، ويجدون السبيل اليه وهم يبذلون اكثر منه. انتهى.

ثم قال : ولما ثبت كون القرآن معجزة نبينا (ص)، وجب الاهتمام بمعرفة وجه الاعجاز ، وقد خاض الناس في ذلك كثيرا ، فبين محسن ومسىء.

فزعم قوم : ان التحدي وقع بالكلام القديم ، الذي هو صفة الذات وان العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق ، وبه وقع معجزها.

وهو مردود : لان ما لا يمكن الوقوف عليه ، لا يتصور التحدي به.

Страница 187