أهمية الْبَحْث:
لقد تتلمذ الْكثير من طلبة الْعلم على يَد الإِمَام مَالك ﵀ فِي فنون شتّى كالفقه، والْحَدِيث، والسنّة، وَالتَّفْسِير، وأصول الْفِقْه، وَالْإِمَام مَالك ﵀ كَمَا أَنه فَقِيه؛ فَهُوَ أصولي.
وَهَذَا وَاضح من رسَالَته الشهيرة الَّتِي كتب بهَا إِلَى اللَّيْث بن سعد.
وكما هُوَ وَاضح - أَيْضا - من صَنِيعه فِي "الْمُوَطَّأ"؛ حَيْثُ مكث فِي تأليفه أَرْبَعِينَ سنة، وَقد عرضه على أَكثر من سبعين فَقِيها من فُقَهَاء الْمَدِينَة، فكلّهم واطؤه عَلَيْهِ، فسمّاه لأجل ذَلِك بـ"الْمُوَطَّأ" ١؛ وَلَا يعقل - وَالْحَالة هَذِه - أَن يكون هَذَا الْفِقْه بني بِلَا أصُول يسْتَند إِلَيْهَا.
وَالْإِمَام مَالك ﵀ هُوَ أحد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الَّذين اشتهرت مذاهبهم وانتشرت فِي أقطار الدُّنْيَا، شرقا وغربا، وَقد كَانَ أَتْبَاعه ينشرون فقهه وأصوله فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة والأمكنة؛ بالتدريس تَارَة، وبالتأليف والردّ على الْمُخَالف تَارَة أُخْرَى، مِمَّا ورَّثَ ثروة فقهية وأصوليّة كَبِيرَة وكثيرة.
لذا أحببتُ أَن أجمع تِلْكَ المؤلفات الْأُصُولِيَّة فِي كتاب وَاحِد.
وَقد قُمْت باستخراجها من كتاب: "كشف الظنون عَن أسامي الْكتب والفنون" للْمولى مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرُّومِي الْحَنَفِيّ، الشهير بالملا كَاتب الجلبي، وَالْمَعْرُوف بحاجي خَليفَة.
وَكتاب: "إِيضَاح الْمكنون"، وَكتاب "هَدِيَّة العارفين"، وَكِلَاهُمَا لإسماعيل باشا الْبَغْدَادِيّ.
وَقد اقتصرت على هَذِه المؤلفات لظني أَنَّهَا قد استوعبت وحوت جُل الْكتب الْأُصُولِيَّة عُمُوما والمالكية - مِنْهَا - على وَجه الْخُصُوص؛ وَذَلِكَ لتأخُّر وَفَاة مؤلفيها، بِخِلَاف الْكتب المصنّفة فِي الطَّبَقَات وَمَا شابهها، فإنّ تأليفها
_________
١ - انْظُر: تنوير الحوالك (١/٧) .
1 / 341