الْمُقدمَة
الْحَمد لله خَالق الثقلَيْن لعبادته، ومنزل الْكتاب على خَاتم رسله، ليَكُون بشيرًا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرًا؛ فصلاةُ ربِّي وسلامُه عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ، ومَن سَار على هديِه إِلَى يَوْم الدّين.
وَبعد؛ فَإِن الله - جلّ فِي علاهُ - اصْطفى من الْمَلَائِكَة جِبْرِيل لوحيه، وَمن النَّاس مُحَمَّد بن عبد الله الْأمين ليختم بِهِ رسَالَته، وَاخْتَارَ لَهُ خير الْأَصْحَاب ليكونوا لمن فِي عصرهم ومَن بعدهمْ كالنّجوم يُقتدى بهَا ويهتدى.
ومِن رَحْمَة الله بخلقه: أَن جعل ﷻ من كل خلَفٍ عدوله ليكونوا أُمَنَاء وحيه وشرعه فينقلونه ويتناقلونه كَمَا أنزل جيلًا بعد جيل إِلَى أَن يَأْتِي أَمر الله وهم كَذَلِك.
قَالَ الله - تَعَالَى ـ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ١؛ فَالله ﷻ قد تكفّل وتعهّد بِحِفْظ دينه وشرعه، كتابٍ وسنّةٍ من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان والتحريف والتبديل؛ فَمَا أَن يَقع شَيْء مِمَّا سبق إِلَّا ويقيّض - سُبْحَانَهُ - لَهُ من الْعلمَاء من يكْشف ذَلِك، فيوضح الْحق ويدحض الْبَاطِل، قَالَ - تَعَالَى - ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ ٢.
وَمن لَوَازِم حفظ الله لدينِهِ حفظ الْعُلُوم الَّتِي سُمِّيَت فِيمَا بعد بعلوم الْآلَة؛ الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى معرفَة مُرَاد الله وَمُرَاد رَسُوله ﷺ؛ وَمن تلكم الْعُلُوم: علم أصُول الْفِقْه.
وَهَذَا الْعلم قد كَانَ فِي الجيل الأول وَالثَّانِي وصدرًا من الثَّالِث؛ فِي الصَّدر دون السّطر، إِلَى أَن احْتَاجَت الأمّة إِلَى تدوينه.
_________
١ - سُورَة الْحجر، آيَة: (٩) .
٢ - سُورَة الْأَنْبِيَاء، آيَة: (١٨) .
1 / 339