أَوْ أَهْلِيَّةِ الْحَضَانَةِ أَوْ أَهْلِيَّةِ الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَجَمِيعُ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ مِمَّا هُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَيْسَ حُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ أَنْ لَا يَقْبَلَ ذَلِكَ، وَيُعْتَقَدُ فِسْقُهُ إنْ ثَبَتَ سَبَبُهُ عِنْدَهُ، وَيُقْبَلُ ذَلِكَ الْمَجْرُوحُ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: ثُبُوتُ أَسْبَابِ الْمُطَالَبَاتِ، نَحْوُ ثُبُوتِ مِقْدَارِ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَإِثْبَاتِ الدُّيُونِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَإِثْبَاتِ النَّفَقَاتِ لِلْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَإِثْبَاتِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ وَنَحْوِهِ.
فَإِنَّ إثْبَاتَ الْحَاكِمِ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَيْسَ حُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ أَنْ يُغَيِّرَ مِقْدَارَ تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَتِلْكَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُطَالَبَةِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: إثْبَاتُ الْحِجَاجِ الْمُوجِبَةِ لِثُبُوتِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ، نَحْوُ كَوْنِ الْحَاكِمِ يَثْبُتُ عِنْدَهُ التَّحْلِيفُ مِمَّنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْحَلْفُ وَثُبُوتُ إقَامَةِ الْبَيِّنَاتِ مِمَّنْ أَقَامَهَا، وَثُبُوتُ الْإِقْرَارَاتِ مِنْ الْخُصُومِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ حِجَاجٌ تُوجِبُ ثُبُوتَ أَسْبَابٍ مُوجِبَةٍ لِاسْتِحْقَاقِ مُسَبَّبَاتِهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْحَاكِمِ أَثْبَتَهَا أَنْ يَكُونَ حُكْمًا، بَلْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ فَيُبْطِلُ أَوْ لَا يُبْطِلُ، بَلْ إذَا اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى خَلَلٍ تَعَقَّبَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْإِثْبَاتُ السَّابِقُ مَانِعًا مِنْ تَعَقُّبِ الْخَلَلِ فِي تِلْكَ الْحِجَاجِ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: إثْبَاتُ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ الزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ وُجُوبُ الْفِطْرِ أَوْ فِعْلُ النُّسُكِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَجَمِيعُ إثْبَاتِ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ هُوَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ، وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ لَا يَصُومَ فِي رَمَضَانَ إذَا أَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ بِوَاحِدٍ وَلَمْ يَكُنْ غَيْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ سَبَبٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ سَبَبًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُرَتِّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا.
النَّوْعُ السَّادِسُ: مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْحُكَّامِ الْفَتَاوَى فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَحْرِيمِ الْأَبْضَاعِ وَإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ وَطَهَارَةِ الْمِيَاهِ وَنَجَاسَةِ الْأَعْيَانِ، فَلَيْسَ هَذَا بِحُكْمٍ بَلْ لِمَا يُعْتَقَدُ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرُوا بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَوْا عَنْ مُنْكَرٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ مُنْكَرًا أَوْ مَعْرُوفًا، فَلِمَنْ لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ إلَّا أَنْ يَدْعُوَهُ الْإِمَامُ لِلْإِنْكَارِ وَتَكُونُ مُخَالَفَتُهُ شِقَاقًا فَتَجِبُ الطَّاعَةُ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلَا يُسَاعِدُهُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ نَحْوَ خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخْشَى فِتْنَةً نَهَى الشَّرْعُ عَنْ الْمُسَامَحَةِ فِيهَا.
النَّوْعُ السَّابِعُ: تَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ فِيمَا تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْمُنَفِّذِ بِأَنْ يَقُولَ: ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ الْحُكَّامِ كَذَا، فَهَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمُنَفِّذِ أَلْبَتَّةَ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ فُلَانًا حَكَمَ بِكَذَا فَلَيْسَ حُكْمًا مِنْ هَذَا الْمُثْبِتِ، بَلْ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ وَالْحَرَامَ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ تَأْدِيبُ ذَلِكَ الْحَاكِمِ أَوْ عَزْلُهُ.
(تَنْبِيهٌ):
كُلُّ تَسْجِيلٍ يَتَضَمَّنُ إرْجَاءَ الْحُجَّةِ لِغَائِبٍ أَوْ لِصَغِيرٍ أَوْ حَاضِرٍ بَعْدَ بَيِّنَتِهِ فَلِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِمَا يَجِبُ بِخِلَافِ التَّسْجِيلَاتِ الْمُطْلَقَةِ.
النَّوْعُ الثَّامِنُ: تَصَرُّفَاتُ الْحُكَّامِ بِتَعَاطِي أَسْبَابِ الِاسْتِخْلَاصِ وَوُصُولِ الْحُقُوقِ إلَى مُسْتَحَقِّيهَا مِنْ الْحَبْسِ وَالْإِطْلَاقِ وَأَخْذِ الْكُفَلَاءِ الْأَمْلِيَاءِ وَأَخْذِ الرُّهُونِ لِذَوِي الْحُقُوقِ وَتَقْدِيرِ مُدَّةِ الْحَبْسِ بِالشُّهُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَتْ لَيْسَتْ حُكْمًا لَازِمًا، وَلِغَيْرِ الْأَوَّلِ تَغْيِيرُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا.
1 / 39