النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ، فَهَذَا فَتْوَى، وَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ بِمَا يَرَاهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ: لَا أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَهُوَ فَتْوَى اتِّفَاقًا.
(فَرْعٌ):
وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ عَلَى الْمِلْكِ أَوْ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى حَاكِمٍ فَأَقَرَّ النِّكَاحَ عَلَى حَالِهِ أَوْ أَقَرَّ الْمَمْلُوكَ رَقِيقًا ثُمَّ رُفِعَ إلَى غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَرَاهُ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى الْقَتْلِ فَرُفِعَ لِمَنْ لَا يَرَى الْقَسَامَةَ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا فَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْأَوَّلِ عَنْ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ.
(فَرْعٌ):
فَلَوْ قَالَ الْحَاكِمُ: لَا أَسْمَعُ بَيِّنَتَك؛ لِأَنَّك حَلَفْت قَبْلَهَا مَعَ قُدْرَتِك عَلَى إحْضَارِهَا، أَوْ قَالَ: لَا أَرَى الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ: لَا أَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، أَوْ لَا أُحَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ وَمَذْهَبِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ أَنْ يَفْعَلَ مَا تَرَكَهُ، وَمِمَّا نَحْنُ فِيهِ قَوْلُهُ: لَا أَدْرِي لَك حَقًّا فِي هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَطَلَبِ الْحُكْمِ " سَلِّمْ الْمَحْدُودَ إلَى الْمُدَّعِي " لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إلْزَامٌ وَحُكْمٌ.
وَنَصَّ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي لَيْسَ بِحُكْمٍ إذْ قَالَ فِيهَا قَوْلَهُ " ده " لَيْسَ بِحُكْمٍ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: حُكْمُ كردم، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى فَقِيرٍ وَاحْتَاجَ بَعْضُ قَرَابَتِهِ فَأَعْطَاهُ الْقَاضِي شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَضَاءً مِنْ الْقَاضِي، لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَتْوَى، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ جَمِيعَ الْغَلَّةِ.
أَمَّا لَوْ قَالَ: حَكَمْت بِأَنَّهُ لَا يُعْطِي غَيْرَ قَرَابَتِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ، إذْ فِعْلُ الْقَاضِي لَيْسَ بِحُكْمٍ، " مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ".
[فَصْل: تَصَرُّفَات الْحُكَّامِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ]
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَصَرُّفَاتِ الْحُكَّامِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ وَمَا لَا تَسْتَلْزِمُ، وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِيهَا بِمَا بَاشَرَ حُكْمَهُ، وَمَا لَا يَتَنَاوَلُ عَوَارِضَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَبَيَانِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ الْحُكْمَ وَلَيْسَتْ بِحُكْمٍ.
اعْلَمْ: أَنَّ فِعْلَ الْحَاكِمِ فِي الْوَاقِعَةِ قَدْ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ وَقَدْ يَعْرَى عَنْ الْحُكْمِ أَلْبَتَّةَ.
فَالْأَوَّلُ: كُلُّ مَا حُكِمَ فِيهِ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ: قَدْ حَكَمْتُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ إذَا كَانَ مَذْهَبُهُ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى سَبِيلِ الْمُطَابَقَةِ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ بِالِالْتِزَامِ عَلَى الْحُكْمِ بِإِبْطَالِ الْعِتْقِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بُطْلَانُ الْعِتْقِ.
(فَرْعٌ):
وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْحَاكِمُ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي أَعْتَقَهُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ حُكْمٌ بِبُطْلَانِ الْعِتْقِ.
(فَرْعٌ):
وَكَذَلِكَ إقْدَامُ الْحَاكِمِ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ زَوَاجًا يَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ، فَإِنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِفَسْخِ نِكَاحِهَا الْمُتَقَدِّمِ، يُرِيدُ أَنَّ الْحَاكِمَ زَوَّجَهَا قَبْلَ دُخُولِ الْأَوَّلِ بِهَا.
(فَرْعٌ):
وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحَاكِمِ مِلْكَ الْمَدِينِ فَإِنَّ حُكْمَهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْهُ وَخُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْأَمْلَاكِ وَفَسْخَ الْعُقُودِ لَا شَكَّ أَنَّهُ حُكْمٌ.
وَالثَّانِي: كَسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَسَمَاعِ الشُّهُودِ وَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ تَحْتَ حِجْرِهِ أَوْ بَيْعِ سِلْعَةٍ لَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُخْتَلًّا فِي بَعْضِ شُرُوطِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الثَّانِي فَلَهُ فَسْخُهُ.
فَرْعٌ مِنْهُ: اعْلَمْ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ بِفَسْخِ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفَسْخِ وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيهَا اجْتِهَادِيٌّ: أَيْ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ جَلِيٌّ يَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ حُكْمَ
1 / 37