Проблемы современной цивилизации
معضلات المدنية الحديثة
Жанры
افرض حادثتين - ألف وباء - وقعتا في مكان ما، فإنهما لا تكونان متشاركتي الحدوث إلا لراء واحد، في حين أن رائيا آخر قد يرى أن الأولى حدثت قبل الثانية، وقد يرى ثالث أن الثانية حدثت قبل الأولى. أما نظرية النسبية فتحول بيننا وبين الحكم بصحة نظر أحدهم وخطأ الآخرين، فكلهم عندها على الحق، ذلك لأن التشارك في الحدوث ليس مطلقا بل هو نسبي، وهو يرجع إلى معيار الزمان الاعتباري الذي يركن إليه كل من الرائين، وكل معيار للزمان في النسبية صحيح، مهما اختلف اعتباره عند الناس.
كذلك تعترف النسبية بكميات مطلقة كسرعة الضوء التي تظل واحدة مهما اختلف الاعتبار في معيار المكان والزمان عند الناس، وكذلك «الفترة» التي تقع بين حادثتين معينتين. •••
كان «نيوتن» يعتقد أن جسما متحركا في مكان ما لا بد من أن يظل متحركا في خط مستقيم ما دام أنه لم يتأثر بقوة أخرى خارجة عن قوته، أي إنه يتحرك من نقطة إلى أية نقطة أخرى تصادفه في طريقه، متخذا أقصر طريق ممكن يصل بينهما. أما «أينشتين» فيقول بأن جسما ما يتحرك لا في مكان، بل في مكان زماني، وأنه يتحرك متنقلا من نقطة إلى أخرى يصادفها في طريقه متخذا أقرب طريق ممكن، فالجسم في حركته لا بد من أن يصادف أجزاء من المكان يشتد انحناؤها، إذ المعتقد الآن أن المكان فيما يجاور المادة الكثيفة أكثر انحناء منه بعيدا عنها، حيث يقرب من التسطح والانبساط ، فإذا قارب جسم جسما آخر فحينذاك يكون قد قارب حيزا من المكان مشوها، أي أكثر انحناء، غير أنه يظل متابعا حركته في ذلك المكان كما كان من قبل، ولكن بالنسبة إلى الانحناء العام لا يلوح لنا أنه سائر في خط مستقيم، بل يظهر كأنه سائر في فلك منحن. من هنا نستطيع أن نعلل حقيقة الجاذبية من غير أن نحتاج إلى فرض القوة الجاذبة التي نقول بأنها تجذب الأجسام، فإن إدراك القوة أمر «أنثروبومورفي»، أي إنه يرجع إلى الصفات البشرية التي ننسبها إلى الله - عز وجل - وبمعنى أوسع أمر مستمد من تجاريبنا الذاتية التي يجريها الإنسان بحكم السر المودع فيه على الأجسام الخارجة عن حيزه. أما نظرية النسبية فإنها تسير بنا خطوة أخرى لتبعدنا عن القول بأثر القوى المشابهة لقوى الإنسان في الطبيعة، فهي تردنا إلى القول بإعادة كل الأشياء إلى نظام مادي صرف، غير ذي علاقة بأي وجه من الوجوه بشيء من النظامات أو القوى المشابهة للقوى البشرية. •••
ولا تقف النسبية عند هذا الحد، فإنها تتناول تأملات فلسفية عميقة، فقد نتساءل مثلا إلى أي حد يذهب نصيب شيء من الصحة والواقع، إذا كان هذا الشيء غير مستطاع أن يقع عليه حسنا؟
يقول «هربرت سبنسر»: «كل ما لا تدركه الحواس لا يمكن أن يكون صحيحا»، على أنك كلما قلبت وجوه الرأي وقعت على أشياء لا يمكن أن تدركها الحواس، فكون القوة مثلا في مستطاعها أن تؤثر عن بعد أمر لا يمكن إدراكه بالحواس، فقوة الجاذبية أمر لا يمكن إدراكه بالحواس، شأنها في ذلك شأن البعد الرابع في النسبية. غير أنها أحد الأشياء التي إن تعذر إدراكها حسيا، فإنها من الأشياء التي تنزل معرفتنا بها منزلة الضروريات، حتى إنها لا تحتاج إلا إلى قدر قليل من الجهد لتبث فينا إحساسا بالعجب والحيرة معا. وفضلا عن هذا فإن البعد الرابع، كما أبنا عن ذلك قبلا، من الممكن أن يصبح ظاهرا بينا، إذا كانت الطبيعة قد وهبتنا عينا تستطيع الحركة والتنقل بسرعة هائلة، لذلك لا يجب أن نحد من الطبيعة ونظامها لأنها لم تزودنا إلا بحواس خمس لا غير، وفي هذه الحالة يتسنى لنا أن نقرر أن طبيعة الحاسة السادسة هي التي يحتاج إليها الإنسان ليدرك ظاهرات الطبيعة بحواسه. ومجمل القول أن شيئا قد يكون صحيحا في ذاته، حتى ولو تعذر علينا أن نأتي من الطبيعة بما يفسر حقيقته؛ لأننا لا نعني بالتفسير الطبيعي سوى التعبير بلغة حواسنا، وهى حواس، فضلا عن قلتها في العدد فإنها ضعيفة لا يعتد بها إزاء الكون في مجموعه. •••
يقول البحاثة مستر «هيو إليوت» إن هناك بضعة أسئلة لا يزال على القائلين بالنسبية أن يجيبوا عليها، فهم يقولون مثلا: إن الأجسام تزيد تسطحا كلما زادت سرعة اندفاعها، حتى إذا بلغت سرعتها سرعة انتشار الضوء لم يصبح لها عمق مطلقا لدى النظر؛ لأن الأجسام عندما تبلغ من السرعة هذا المبلغ تلوح كصفائح رقيقة جهد ما يمكن سابحة في المكان. وهنا يطلب المشتغل بالعلوم الطبيعية أن يعرف على أي شكل تظهر الأجسام إذا اندفعت في الفضاء بقوة تفوق قوة انتشار الضوء، ولقد أجيب على هذا السؤال بأنه ليس في استطاعة جسم مادي أن يتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء؛ لأن قوة استمراره تصبح غير متناهية. وينصح مستر «اليوت» للذين يريدون أن يقاوموا النسبية أن يزيدوا سؤالهم إيضاحا، هم يقولون بأن دقيقة ما قد تتحرك بسرعة تقارب سرعة انتشار الضوء، والواقع أن نشاط دقائق (ب) التي يبعثها الراديوم تتحرك بسرعة مقاربة لذلك، فإذا فرضنا أن دقيقتين من هذه الدقائق قد اتفق أن تمر إحداهما من جانب الأخرى حيث تكونان مندفعتين في اتجاه المتناظرين، فعند ذلك تفوق سرعتهما النسبية بكثير سرعة الضوء، فكيف تلوح إحداهما إذا نظر إليها من الأخرى؟ إن الدقيقتين كلما زادت سرعتهما تصبحان أكثر رقة، حتى يأتي وقت لا تلوحان فيه إلا كسطح، فهل يمكن إذا ازداد مقدار السرعة النسبية في مجموع الكون أن يبدأا بالتضخم والكبر مرة أخرى بأن تضاف كمية خاصة نتصورها إلى البعد الثالث فيهما، أي في العمق ؟ وهل يمكن أن تأتي حالة يلوح لنا فيها الزمان كأنه راجع القهقرى حيث يكون مثل الدقائق المادية كمثل دقائق وصلت آخر سياحتها قبل أن تبدأ بها، وأن سكانها قد فنوا قبل أن يولدوا؟ هذا هو الإشكال الذي تتركنا فيه النسبية اليوم رغم ما قوبلت به هذه النظرية من التقبل والذيوع. وهل يمكن أن تصبح الأشياء الحقيقية خيالية إذا نظر فيها من تلك الوجهة الحقة؟ وهل يوجد هنالك أكوان نتوهمها وتظن أن كوننا وهمي، أكوان خرجت عن كوننا هذا خروجا كليا؟
لقد قامت في وجه النسبية معترضات كثيرة بنيت على أنها نظرية «ميتافيزيقية» - مما بعد الطبيعة - تنفر منها الروح العلمية المحضة، وليس من الغريب أن يحيط الشك زمانا بنظرية فذة كهذه النظرية، لكثرة ما ذاع من المذاهب الخداعة فيما وراء الطبيعة. على أن نظرية النسبية تختلف عند ما بعد الطبيعة في موضعين معينين: الموضع الأول أنها قابلة للتحقيق بمجرد النظر العلمي، والموضع الثاني أنها مادية في أخص معانيها، فإنها مثلا لا تعلل الظاهرات الطبيعية بمقتضى الشعور الإنساني أو من وجهة النظر الروحية، في حين أن نظريات ما بعد الطبيعة تجعل الطبيعة دائما مزودة بشيء من الخصائص الإنسانية، ونظرية النسبية فضلا عن هذا تصف الطبيعة وتفسر مغمضاتها بتعبيرات تبعد عن العواطف الإنسانية بما لم تبلغ إليه غيرها من النظريات العلمية، ومن هذه النظرية دون غيرها نرى أننا قد بلغنا من البعد عن القول بأن الإنسان مركز العالم ومحوره حدا لم تبلغ إليه العقول من قبل، بل إنها آخر ما يحتاج إليه العلم ليبعد عنا القول بأن في الطبيعة تشابها من الأصول التي يدعيها الإنسان لنفسه.
وبنظرية النسبية دون غيرها يثبت لنا تفوق «السنة العامة» على غيرها بصورة لم نبلغ إليها في زمن من الأزمان الفارطة، كالشعور بأن الطبيعة ليست سوى آلة ميكانيكية عمياء، وأن آليتها قد عدمت كل أثر من المدركات التي نستخلصها من الحس الإنساني، فمن النسبية وحدها قد استطعنا أن نعرف أن هنالك أشياء قد تكون صحيحة في ذاتها وليس في مستطاع الحس البشري أن يصل إليها، وهي في ذلك تتفق مع آليات «نيوتن»، فالقوة والزمان والمكان وغير ذلك من المدركات المعقولة لا يمكن أن تلمس أو تنظر أو تشم مثلا؛ لأنها عبارة عن مدركات عقلية يصح أن نتركها بتة إذا كشف لنا عن نسق أكثر منها انطباقا على الحقائق المعروفة، ولا يمنعنا من معرفة أصل هذه المدركات في الطبيعة إلا الرأي السائد فيها، فالمادة نفسها ليست إلا مدركا أو شيئا عاما كونته في نظرنا التجاريب، وليست كما كنا نظن من قبل حقيقة مطلقة ثابتة في عقليتنا ثبوتا مطلقا.
على أن كل المتناقضات التي قد تقوم من القول بالنسبية قد نجد أشد منها تناقضا إذا نظرنا في الأشياء نظرتنا القديمة، فالأثير مثلا ليس إلا فرضا ألزمتنا إياه فلسفة الإطلاق، وليس القول بالأثير مبنيا على النظر العلمي ولا التجربة لأن كليهما يضاد القول به، بل إننا فرضناه لنستطيع أن نعلل بعض الظاهرات الطبيعية بتعبيرات يقبلها النظر الإنساني. والقول بالأثير يقتضي وجود عدد من الصفات المستحيلة، فإنه يضع في ثنايا الطبيعة شيئا مطلقا مبهما يجرنا إلى القول بأن التناقض واقع في الطبيعة بالذات لا في النسبة التي ينظر في الطبيعة من ناحيتها. (2) من الوجهة الفلسفية
1
Неизвестная страница