Муавия ибн Абу Суфьян
معاوية بن أبي سفيان
Жанры
وكل ما وصل إلينا من أخبار ذلك الموقف يدل على شيء واحد لا محل فيه للخلاف الطويل بين الناظرين إليه من الوجهة التاريخية الخالصة، وهو عمل معاوية لنفسه في كل مطلب طلبه من عثمان، وكل نصيحة أسداها إليه، وكل مشورة أشار بها عليه، فليس في هذه المطالب والنصائح أو المشورات شيء قط تجرد من منفعة ينظر إليها معاوية في حاضره أو مصيره، وكل ما عدا ذلك فقد يكثر فيه الخلاف، ويؤول فيه التأويل.
كان معاوية في عهد الفاروق قانعا بعطائه السنوي وهو ألف دينار، وكان الولاة والرعية لا يشكون إجحافا ولا محاباة فيما يرجع على أرزاق العمال الكبار والصغار ومنهم الولاة، فلما انقضى عهد الفاروق كثرت الشكوى من تقسيم هذه الأرزاق، ومن إيثار بعض الولاة بالولايات لقرابتهم من الخليفة، وكانت هذه الشكوى إحدى الدعايات التي تذرع بها المشاغبون للثورة التي تفاقمت حتى ذهبت بحياة عثمان. •••
ولم يكن معاوية يجهل هذه النقمة الفاشية في الولايات، ولكنه على ذلك كتب إلى عثمان يطلب زيادة عطائه، ويطلب غير ذلك أن يقطعه الأرض التي قتل أصحابها من الروم أو تركوها، وهاجروا إلى بلاد غير البلاد المفتوحة من أرض الدولة البيزنطية، وتعلل له بكثرة وفود الأمصار والرسل، وأن هذه الضياع المتروكة لا يؤخذ عليها الخراج، ولا تحسب من أموال أهل الذمة كما جاء في تاريخ ابن عساكر، وكانت هذه الضياع وأمثالها تلحق ببيت المال، وينفق منها على المصالح العامة ومعونة المعوزين وذوي الحاجات، فلما أذن له عثمان بزرعها والانتفاع بثمراتها؛ حبسها على نفسه وعلى آل بيته وخدامه وأعوانه في سياسته، وعمد إلى كل معترض عليه وعلى إنفاقه لهذه الأموال في غير وجوهها، فأقصاه عن الشام وأرسله إلى حيث يشاء من البلاد الإسلامية الأخرى لا يعنيه أن يصنع الشاغبون ما يصنعون في غير ولايته، وهو يعلم أنهم سيشغبون على عثمان حيث ذهبوا، وأن عثمان يلقى من الفتنة ما هو حسبه في جواره.
وحديث أبي ذر في الشام معروف ننقل منه ما يدور حول موقف معاوية من عثمان كما جاء في ابن الأثير:
كان أبو ذر يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته، أو شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لكريم، ويأخذ بظاهر القرآن
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
فكان يقوم بالشام، ويقول: يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء ... بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء، وشكا الأغنياء ما يلقون منهم، فأرسل إليه معاوية بألف ديار في جنح
1
الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه، فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل له: انقذ جسدي من عذاب معاوية! ... فإنه أرسلني إلى غيرك وإني أخطأت بك، ففعل ذلك، فقال له أبو ذر: يا بني قل له: والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار، ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها، فلما رأى معاوية أن فعله يصدق قوله كتب إلى عثمان: إن أبا ذر قد ضيق علي، وقد كان كذا وكذا للذي يقوله للفقراء، فكتب إليه عثمان: إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها، ولم يبق إلا أن تثب، فلا تنكأ القرح وجهز أبا ذر إلي وابعث معه دليلا وزوده وارفق به، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت.
ولما خرج الشاغبون بالفتنة من الكوفة إلى الشام بأمر عثمان كتب عثمان إلى معاوية، كما جاء في ابن الأثير: «إن نفرا قد خلقوا للفتنة؛ فأقم عليهم وانههم، فإن آنست منهم رشدا فأقبل، وإن أعيوك فارددهم علي.»
Неизвестная страница