Муавия ибн Абу Суфьян
معاوية بن أبي سفيان
Жанры
21
به غور داهية يقارنه من بيت خصومه، وإنه مع ذلك قرين تجمعه آصرة القرابة بآل علي، ولا تجمعه بهم آصرة المودة والموافقة جد الموافقة على الوجهة، وقد تخلى ابن عباس عن ولاية ابن أبي طالب، ووقعت بينهما الجفوة التي لم تصلحها حوادث الأيام بعد ذلك، ولا منافسة بين علي وأبنائه في حياته ولا بعد مماته، وإنما المنافسة بينه وبين أعمامه وبني عمومته؛ إنما المنافسة بين اثنين أحدهما ابن عم للنبي هو أبو طالب، والآخر ابن عم للنبي هو العباس ...
وأي فائدة كبرى كان يفيدها معاوية لو سمع من ابن عباس كلمة تفتح الباب للتفرقة بينه وبين سائر الهاشميين العلويين؟ أي فائدة كان يفيدها لو رأى من دهاء ابن عباس أنه يمهد لنفسه عند السلطان الجديد، ولا يزيد على التشفع لغيره من سائر أهل البيت؟
إن غرابة هذه القصة هي التي ترجحها وتضعف الشك فيها، فإنها إن وقعت لن تقع إلا على غرابتها ...
إنها غريبة من معاوية إلا أن تكون مقصودة لغير ظاهرها مع رجل له ظاهر وباطن يستطلع بهذه المفاجأة، ولا يستطلع بغيرها، وقد يبدو منه ما تنكشف به جلية الموقف بينه وبين سائر بني هاشم، وكل بني هاشم غير عبد الله بن عباس فظاهرهم وباطنهم لا يختلفان إذا سمعوا مثل ذلك النذير ...
هذا أو تكون نفثة من نفثات الكظم تنطلق منه حيث يقدر الأمان مع رجل يخفي باللسان ما لا يضمره الجنان. •••
وأمثال هذه الردود الخشنة جميعا لم تكن في ذلك العصر مما يستكثر في مناسباتها، وقد سمعها معاوية - أو سمعها جلساؤه معه - متوقعة مستثارة، ولم يتعود الناس يومئذ أبهة الملك وطاعة العبيد للسادة، ولم يتعود الأمير كذلك أن يسوم الناس سكوتا في موضع القول، وإغضاء في موضع الأنفة، وإنما كان الأمير خليفة يتشبه بالخلفاء الراشدين في حق الطاعة، ولم يعد أحد من هؤلاء الخلفاء أن يخاطب إنسانا بما يسوءه، ثم يستكثر عليه أن يجيبه بمثل خطابه، فهذه «هرقلية» لم يتعودها الرعاة ولا الرعايا، ولم يكن في طاقة معاوية أن يروض رعاياه عليها دفعة واحدة، فإذا تمهل فيها آونة بعد آونة، فإنما يكون التمهيل بمثل ذلك الصبر على كره أو على اختيار.
ومن الوقائع التي رويت عنه، وقائع يلتبس فيها الحلم وبطء الغضب وطول الروية والأناة، ومنها ما يتلقى فيه الإساءة أو الوعيد على البعد، ويتسع له الوقت قبل الإجابة عنها بما يروي فيه النظر ويرتضيه.
عدا عبيد لمعاوية على أرض ابن الزبير؛ فكتب إليه ابن الزبير: «أما بعد يا معاوية، إن لم تمنع عبيدك من دخول أرضي وإلا كان لي ولك شأن.»
وقيل: إن معاوية أطلع ابنه يزيد على كتاب ابن الزبير، وسأله: ما ترى؟ فقال له يزيد: لتنفذن إليه جيشا أوله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه.
Неизвестная страница