Книга веществ и ключ к проблемам
كتاب المؤثرات ومفتاح المشكلات
Жанры
ومتى قيل : لم قلتم أن أحوال الحي ليست إلا ما ذكرتم حتى يتم لكم أنه إذا بطل تأثيرها في وقوع الفعل لم يبق سوى كونه قادرا؟ وما أنكرتم من ثبوت صفة زائدة على ما ذكرتم وهي المؤثرة في ذلك؟
قلنا: لأن الصفة إما أن تعلم من النفس أو لا تعلم من النفس. فإن لم تعلم من النفس ولا كانت الذات مدركة عليها لم يكن بد لها من حكم يستدل عليها به، ولا شك أنه لا يعلم من النفس الصفة التي ذكر السائل ولا تدرك الذات عليها ولا حكم يستدل به عليها، فلا يجوز إثباتها لأن إثبات ما لا طريق إلى العلم بالذات عليه من الصفات يفتح باب الجهالات ويقتضي أن لا يوثق بالمؤثرات وتأثيرها فيما تؤثر فيه لأنه يجوز على هذا القول أن تكون الحركة مؤثرة في صفة لا طريق إلى العلم بالذات عليها وأن يكون المؤثر في كونه متحركا أمرا لا سبيل إلى العلم به ونحو ذلك من الجهالات. فلم يبق إلا أن يكون المؤثر في صحة الفعل ووقوعه أمرا واحدا وهو الفاعل لاختصاصه بكونه قادرا.
وأما المقتضي فالذي يدل على أنه مؤثر في صحة المقتضى ووجوبه هو أن المقتضي هو الصفات الذاتية فإنها تقتضي صفات أخر تدرك عليها المدركات وتؤثر لأجلها الذوات المؤثرة، وكون الحي حيا فإنه يقتضي كونه مدركا فصفات الذوات تقتضي مقتضياتها بشرط الوجود. إذ لو اقتضتها من دون شرط الوجود لوجب في العلل أن توجب الصفات في حال العدم لحصول الصفة المقتضاة التي لأجلها توجب في حال العدم، ولوجب تضاد الأضداد في العدم لحصول المقتضاة الموجبة لذلك، ولوجب أن تدرك المدركات في حال العدم لحصول المقتضاة التي تدرك عليها في العدم، ولوجب أن تشغل الجواهر المعدومة الجهات لحصول المقتضاة وهي التحيز لها في العدم. وذلك لا يجوز لما ثبت من أن العلل لا توجب إلا بشرط الوجود والاختصاص الذي هو فرع عليه. وإن المتضادات لا تتضاد في العدم وإلا لزم وجود ما لا يتناهى من البياض لعدم ما لا يتناهى من السواد، وكذلك في سائر المتضادات، ولوجب أن يكون الجسم كائنا في جهتين لعدم الكون في ثالثة وأن يكون أحمر أبيض لعدم السواد، ولما ثبت من أن المدركات لا تدرك إلا عند الوجود وإلا كان يجب أن تدرك الأصوات والآلام وسائر المدركات قبل وجودها وبعد عدمها، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك، فإنا نعلم أنا لا ندرك الصوت في الثاني من وجوده كما أدركناه في الأول، وكذلك أحدنا لا يدرك الألم في حال صحته كما كان يدركه في حال مرضه، ولما ثبت من أن الجواهر المعدومة لا تشغل الأحياز في حال العدم وإلا لزم أن تكون جميع الجهات مشغولة لأن الجواهر المعدومة لا نهاية لها، فكان يجب أن لا يصح من أحدنا التصرف في الجهات لامتناع التداخل على الأجسام ومعلوم خلاف ذلك. فلم يبق إلا أن تقتضي مقتضياتها بشرط الوجود.
ثم لا يخلو إما أن يكون الوجود مصححا للمقتضيات أو لا يكون مصححا لها بل إنما يكون شرطا في تصحيح المقتضي وإيجابه لها. محال أن يكون مصححا لها لأنه كان يلزم أن تصح جميع المقتضيات على كل ذات موجودة حتى تكون الذات الموجودة تصح أن تكون متحيزة وأن تكون بصفة الحركة وبصفة السكون وبصفة اللون وسائر الصفات المقتضاة لحصول المصحح لجميع ذلك لها وهو الوجود. وذلك محال لأنه يؤدي إلى أن الذات تصح أن تكون بصفة مخالفها وضدها، ومحال انقلاب الجنس على الذوات لأنها لا تحصل على الصفة المقتضاة الثابتة لمخالفها ومضادها إلا بعد أن تحصل على المقتضي، وحصولها على المقتضي يوجب أن تكون الذات الواحدة مضادة لنفسها ومخالفة لها، فكان يجب أن تنتفي وأن لا تنتفي معا، وذلك محال، فبطل أن يكون الوجود مصححا للصفات المقتضيات. فلم يبق إلا أن يكون المصحح لها والموجب واحدا، وهو المقتضي، ويكون تصحيحه وإيجابه لمقتضاه بشرط الوجود، فكان الوجود مصححا لتصحيح المقتضي لمقتضاه وإيجابه له، فلا يصحح المقتضي مقتضاه ولا يوجبه إلا بشرط الوجود. وكذلك كون الحي حيا فإنه مصحح لكونه مدركا وموجب له بشرط زوال الآفات والموانع ووجود المدرك لأن كون الحي حيا هو الأصل لصفات الجملة والمصحح لجميعها لكنه يصحح بعضها بشرط وبعضها من دون شرط، فتصحيحه لكونه مدركا وإيجابه له هو بشرط ما قدمنا لأنه متى ثبت ما قدمنا من الشروط صح كونه مدركا ووجب ومتى زالت، أو بعضها، استحال كونه مدركا.
ومتى قيل: كيف يصح لكم هذا الإطلاق في جميع المقتضيات ومعلوم أن صفة الله الأخص مقتضية لصفاته الأربع من كونه قادرا عالما حيا موجودا وليس لها تأثير في صحتها بل إنما تؤثر في وجوبها؟
قيل له: إن ما ذكرته لا يصح بل هي مؤثرة في صحتها أجمع ووجوبها، وذلك لأنه لا مصحح لكونه تعالى موجودا إلا موجبه من صفته الأخص. وكذلك كونه حيا فإن صفته الأخص هي المصححة له والموجبة دون أن يكون الوجود مصححا لذلك. وإلا لزم في الأعراض أن يصح كونها حية لأنها موجودة، وذلك مستحيل، فلم يبق إلا أن يكون الوجود شرطا في اقتضاء صفته الأخص للصفات الثلاث. وكذلك فصفته الأخص مصححة لكونه قادرا على جميع أجناس المقدورات وعالما بجميع المعلومات، وتصحيح كونه حيا لذلك لا يمنع من تصحيح صفته الأخص وإيجابها لذلك، فإن الصفة قد يجوز أن تكون المؤثر في صحتها وجهين كل واحد منهما لو انفرد لأثر في التصحيح فإذا اجتمعا لم يتغير تأثيرهما. ألا ترى أن المؤثر في صحة كون الشيء مرئيا قد يكون تارة التحيز وأخرى كونه على هيئة مخصوصة كهيئة السواد والبياض وسائر الألوان؟ ولم يمنع تصحيح التحيز لرؤية الجوهر من تصحيح الهيئة المخصوصة لرؤية اللون. فلو قدرنا أن ذاتا حصلت على صفة الجوهر بكونه متحيزا وعلى صفة اللون بكونه هيئة مخصوصة لكان المؤثر في صحة كونها مرئية كلتا الصفتين دون أن يكون المؤثر إحداهما إذ لا تخصيص. وكذلك فالمؤثر في صحة كون الذوات معلومة هي صفاتها الذاتية على تماثلها واختلافها وتضادها، ولم يمنع تصحيح بعضها لكون الشيء معلوما من تصحيح البعض الآخر لذلك. فلو قدرنا أن الذات حصلت على صفتين للنفس لكان المؤثر في صحة كونها معلومة كلتيهما دون أن يكون المؤثر إحداهما، فكذلك يجب في صفة الله جل وعز الأخص وكونه حيا. فبطل ما قاله السائل وصح أن المقتضي يؤثر في صحة المقتضى ووجوبه. وذكرنا للصحة والتصحيح في صفاته جل وعز الأربع، إنما عنينا به نفي الاستحالة والامتناع لا الصحة المتقدمة للوجوب كصحة الفعل وصحة كون أحدنا عالما وقادرا إلى غير ذلك، فإن ذلك مستحيل في حقه جل وعز فإن صفاته الأربع لا تتقدم صحتها على وجوبها من حيث ثبتت له تعالى على سبيل الوجوب.
وأما السبب فالذي يدل على أن له تأثيرا في صحة المسبب هو أن السبب متى صح وجوده صح وجود مسببه على طريق التبع له ومتى استحال وجوده استحال وجود مسببه. إذ لو صح وجود مسببه من دون وجوده لقدح ذلك في كونه مسببا له ومتولدا عنه لأن الطريقة التي بها يعلم أن الشيء مبتدأ غير متولد هي أن يصح وجوده مع عدم ما يقدر كونه سببا، والطريقة التي بها يعلم أن شيئا متولد <هي> أن يوجد بحسب السبب ولا يوجد لولاه. فلو وجد المسبب من دون وجود سببه لعاد بالنقض على التفرقة بين المبتدأ والمتولد وعلى الطريقة في إثبات الأسباب والمسببات وللحق بما يكون مبتدأ، فيجب إذا أن لا يصح وجود المسبب إلا عن سببه.
فإن قيل: هلا صح وجود عين المسبب عن سبب آخر فيصح وجوده من دون وجود سببه الأول؟
قيل: إن السببين لا يجوز أن يشتركا في توليد مسبب واحد. إذ لو اشتركا في ذلك لم يخل الحال إما أن يصح وجود المسبب مع عدم كل واحد منهما عند وجود صاحبه أو لا يصح وجوده إلا عند وجودهما. فإن قيل بالأول قدح ذلك في كون كل واحد من السببين سببا له لأن من حق المسبب أن يستحيل وجوده من دون وجود سببه، وإلا لزم في الأفعال المبتدأة أن تكون مسببة وإن صح وجودها من دون وجود الأسباب. فلو صح وجود هذا المسبب مع عدم أحد سببيه أيهما كان لقدح ذلك في حاجته إليه وكونه مسببا عنه ولجاز أن يكون مسببا عن كل سبب وإن صح وجوده من دونه وذلك باطل. وإن قيل بالثاني لم يصح أيضا لأنه كان يجب لو قدرنا وجود أحد السببين دون الآخر أن لا يوجد المسبب وذلك أيضا يقدح في كون هذا الموجود سببا له، لأن من حق السبب أن يجب وجود مسببه عند وجوده وارتفاع الموانع. فمتى وجد هذا السبب وارتفع المانع ولم يوجد المسبب قدح ذلك في كونه سببا موجبا، وليس يصح أن يقال أن عدم السبب الثاني يكون في حكم المانع لأن المنع إنما يكون وجود ضد للمسبب أو عدم شرط من شروط توليده له، وعدم السبب الآخر ليس واحدا من الأمرين لأنه ليس بشرط في توليد السبب الآخر، وإنما هو سبب مولد ونحن لا نمنع أن يقف السبب في توليده على شرط وإنما منعنا أن يتولد المسبب عن سببين. فصح بهذه الجملة أنه لا يصح وجود عين المسبب إلا عن سببه وأنه يستحيل وجوده من دون وجود سببه. فإذا كانت صحة وجوده موقوفة على سببه، نفيا وإثباتا، عرفنا أنه مؤثر في ذلك لأن هذا طريق العلم بالمؤثرات، وكذلك فله تأثير في وجوب وجود مسببه لأن وجوبه يقف على وجوده نفيا وإثباتا. ولذلك يخرج المسبب عن التعلق بالقادر عند وجود سببه ويصير في حكم ما قد وجد، فلولا وجوبه عن السبب لما خرج عن التعلق بالقادر إلا عند وجوده في نفسه كالأفعال المبتدأة ومعلوم خلافه. فهذه طريقة الكلام في أن الفاعل والسبب والمقتضي مؤثرة في التصحيح والإيجاب معا.
[الكلام في الفصل الثاني]
Неизвестная страница