Политическое направление Египта в эпоху Мухаммеда Али: Основатель современного Египта
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Жанры
وكانت هذه الإشاعات سابقة في الواقع لأوانها؛ ذلك لأن قيصر الروسيا وإن كان قد عرض فعلا على السلطان أن يعضده ببعض قواته العسكرية المسلحة ضد محمد علي إلا أن العرض لم يكن قبل فعلا، ولكن لم تمر سوى أيام قلائل حتى وصل إلى الآستانة أحد الضباط الروس ألا وهو اللبوتونانت جنرال مورافييف يحمل تعليمات بأن يذهب رأسا إلى الإسكندرية ليطلب إلى نائب السلطان أن يكف عن زحفه ضد تركيا، فوصل إلى الإسكندرية في يوم 13 يناير، وفي صباح اليوم التالي حظي بمقابلة نائب السلطان مقابلة قصيرة، ولم يقدم الجنرال إلى محمد علي مستندات رسمية من أي نوع، ومن ثم أذيع أنه جاء كوسيط في الصلح، ولكن كان السائد على الأفهام أن مهمته تنحصر في مطالبة محمد علي بالانسحاب من كرامانيا وسوريا، وأن يسلم أسطوله إلى السلطان وأن يخفض جيشه إلى 20000، وبعد يومين، وكذلك في يوم 18 يناير حظي بمقابلة نائب السلطان وحادثه مليا وكان حديثهما سريا، وقد أذعن محمد علي ووعد بأن يقدم خضوعه للسلطان، وأن يقف القتال كدليل على حسن نيته.
37
وكان الديوان التركي يتطلع بطبيعة الحال في تلك الساعات العصيبة إلى معونة إنجلترا بصفتها حليفته التقليدية لا إلى روسيا عدوته اللدودة القديمة، ولهذه الغاية أرسل إلى لندن رسولا خاصا للحصول على مساعدة بعض البوارج البريطانية، ولكن بالمرستون لم يكن على استعداد للتورط في عمل معين من هذا القبيل، فرفض وترتب على هذا الرفض أن السلطان محمود قرر برغم إرادته أن يتفق رأسا مع نائبه الثائر، ومن ثم وصل إلى الإسكندرية في 21 يناير خليل قبطان باشا يحمل اقتراحات لعقد الصلح.
وكانت مقابلة نائب السلطان للقبطان باشا محاطة بكافة مظاهر التبجيل والأبهة؛ فلقد تقدم ضابطان من كبار ضباط محمد علي من القبطان باشا وتأبطا ذراعيه لمساعدته على ارتقاء درج قصر رأس التين، أما محمد علي نفسه فقد نزل إلى نصف الدرج لاستقبال زائره ولم يسمح له بتقبيل يده، بل عانقه وقبل وجنتيه. ومن هناك قصدا إلى حجرة الاستقبال، ويد كل منهما في يد الآخر، بينما طوق خليل باشا بذراعه الطليق وسط الباشا الهائل، ولما استقر بهما المقام جلس خليل باشا راكعا على ركبتيه مبالغة في الاحترام، وكانت هذه الرسميات بمثابة تمهيد طبيعي لما سيعقبها من محادثات طويلة مملة وبعيدة عن الإخلاص.
ونتساءل هنا: ماذا عسى كان محمد علي يطمح إلى نيله من شروط الصلح، لقد كتب إليه إبراهيم من معسكره في كوتاهية يقترح عليه سلسلة مطالب، وقد ذكر في رأسها الاستقلال باعتباره «مسألة جوهرية بالنسبة لنا تفوق في أهميتها كافة المسائل الأخرى.» ثم طلب ضم الأناضول وكليكية؛ نظرا لما فيهما من الخشب اللازم لمصر والذي لا بد لها من ابتياعه من الخارج إذا أصرت على الاحتفاظ بأسطولها، وطلب في النهاية جزيرة قبرص كقاعدة صالحة للأسطول، أما بغداد فقد كانت في نظره قليلة الأهمية، ثم إنها بعيدة وفقيرة.
38
وقد كانت هذه الطلبات مرغوبا فيها من وجهة النظر المصرية، ولكن كان بديهيا أن هذه لا يمكن أن يطالب بها إلا الفريق الغالب أو بعبارة أخرى لا يمكن تحقيقها إلا بتوفير القوة المتفوقة، ولم يكن ثمة من سبب يحمل أوروبا على الموافقة على مطالب كهذه؛ إذ تبين لها أنها غير مرغوب فيها من الناحية السياسية.
وللمقارنة النافعة بوجهة نظر إبراهيم هذه نذكر تلك التعليمات التي بعث بها بالمرستون في الوقت نفسه إلى الكولونيل كامبل؛ فقد كتب يقول: «إن حكومة جلالة الملك تعلق أكبر أهمية على صيانة أملاك الإمبراطورية العثمانية؛ لأنها تعتبر أن سلامة تلك الدولة عنصر أساسي في التوازن الدولي في أوروبا. فمن رأيها أن كل انتقاص خطير من الأملاك الآسيوية التابعة للسلطان، وما يترتب على ذلك من الموارد التي لا غنى عنها لجلالته؛ مما يكفل الدفاع عن أملاكه في أوروبا، من رأيها أن ذلك كله لا بد أن يؤثر بالنسبة عينها في موقفه إزاء الدول المجاورة لها، وهو ما لا بد أن تكون له عواقب ضارة خطيرة على مصالح أوروبا العامة؛ ولذا ترى حكومة جلالة الملك أن ليس من المهم أن تحول دون تمزيق أوصال الإمبراطورية العثمانية فقط، بل أن تعارض حتى في فصل بعض ممتلكاتها، وكان من المستحيل بداهة إعادة الحال إلى ما كانت عليه؛ ولذا كان خير حل للإشكال أن تعطي سوريا لمحمد علي في مقابل شروط خاصة بالحربية والتجنيد مما يترك موارد الباب العالي كاملة غير منقوصة.»
39
أما الحقيقة التي لا مراء فيها؛ فهي أن عجلة إبراهيم واعتماده على الحسام برغم تجاربه القاسية في المورة كانا سببا في انقلاب الأمور عليه وترجيح كفة الميزان ضد ما كان يجيش في صدره وصدر أبيه من المطامع الكبيرة؛ لأن الآستانة عندما سمعت باعتزامه الزحف عليها على أثر إرسال خليل باشا إلى الإسكندرية وقعت في حيرة وأدركها الهلع الحقيقي الذي لا يرى فيه الإنسان أي مبالغة، فلم يكن هناك جيش تركي منظم يصد إبراهيم عن الزحف، بل كل ما كان هناك هو الوحدات المهشمة التي بقيت بعد اندحار جيش رشيد باشا للصدر الأعظم؛ لذلك خيف طبعا أن يؤدي زحف إبراهيم إلى إيقاظ الفتنة النائمة، ومن ثم يساعد أعوان محمد علي على توسيع الخرق إلى أن تعم الفتنة العمياء، فتحرق الأخضر واليابس، فيتمزق شمل الإمبراطورية ويتزلزل العرش وتسقط الوزارة، وقد يكون نصيب الوزراء في ذلك الانقلاب أن يعجل إبراهيم منيتهم؛ لهذا ولى الوزراء في هلعهم وجوههم شطر الروسيا التي كانت عرضت قبلا مساعدتها العسكرية؛ فتوسلوا إليها أن ترسل على الأقل 20000 جندي لإنقاذ الآستانة فلبت روسيا الرجاء، وهي أشد ما تكون فرحا واغتباطا، وحتى بعد أن عاد موزاييف من الإسكندرية وهو يحمل البشرى بأن زحف إبراهيم قد وقف، وحتى بعد أن أكد مندوبا إنجلترا وفرنسا للباب العالي بأن المعونة العسكرية لم يعد لها معنى أو حاجة؛ فإن الباب العالي ما زال رافضا سحب توسله إلى روسيا، وكانت النتيجة أن جيش روسيا بدأ يعسكر على ضفة البسفور الآسيوية.
Неизвестная страница