وفي إقليمي الدلتا والشرق يمكن استثمار أراضي البراري الشمالية في زراعة أنواع من الخضروات التي يمكن أن تنمو على مياه ذات ملوحة أعلى من المعدل، وخاصة الطماطم التي نجحت على مثل هذه المياه في أمريكا. ويمكن لهذين الإقليمين أن يقيما صناعات زراعية ناجحة من أجل السوقين الداخلي والخارجي - خاصة السوق العربية، مع الاهتمام بصناعة التغليف والإعداد. هذا فضلا عن الصناعات القائمة للغزل والنسيج والأصواف والسجاد ومضارب الأرز والزيوت والصابون وكيميائيات أخرى وفواكه متعددة على رأسها المانجو والموالح. (6)
في إقليم مصر الوسطى موارد زراعية غنية في الوادي وغرب البحر اليوسفي ومنخفض الريان وواحتي البحرية والفرافرة، وخاصة الفرافرة المبشرة بمياه جوفية وفيرة وتحتاج إلى تنظيم وإدارة جيدة لاستقبال المستثمرين وتوزيع الأرض على الأفراد أو جمعيات زراعية خاصة - أي غير حكومية، والتصرف في الأراضي المخصصة للخريجين الذين لا يستثمرون أراضيهم وسكنهم. وفي مصر الوسطى نجد من المعادن المستغلة حاليا مناجم الحديد في الواحة البحرية. وربما أدت بحوث إدارة الإقليم إلى مصادر أخرى معدنية أو مصادر للطاقة في بحر الرمال غربي عين دله، أو مياه جوفية في القسم الغربي من الإقليم أو قرب مصبات الأودية الشرقية القادمة من جبال البحر الأحمر. والواحات بصفة عامة من مقاصد السياحة الأجنبية يجدون فيها البيئة كاملة الغربة بالنسبة لهم. (7)
الكلام نفسه ينطبق على مصر العليا وأسوان فيما عدا أن في مصر العليا ثروة معدنية كبيرة متمثلة في فوسفات السباعية وهضبة أبو طرطور - بين واحتي الخارجة والداخلة، والذي يمكن أن يعالج صناعيا في نفس المكان من أجل الحصول على مشتقات كيميائية ذات قيمة عالية في الصناعات. أما ساحل البحر الأحمر في إقليم مصر العليا فهو منتجع سياحي عالمي في الغردقة وسفاجا. ومثلهما في مرسى علم ورأس بناس والشلاتين وحلايب بالنسبة لإقليم أسوان الذي يتمتع الآن بمشروعات زراعية كبيرة في توشكى وشرق العوينات، وربما في الواحات الصغيرة الممتدة على طريق درب الأربعين. (13) لماذا التغيير الإداري؟
سبق أن ذكرنا أن تجربتنا خلال نحو قرن من التقسيم الإداري الحالي - مع بعض التعديلات كاقتسام أراضي الغربية بإنشاء محافظة كفر الشيخ، وضم أراض إلى محافظتي الدقهلية ودمياط، وضم بعض أراضي المنوفية إلى القليوبية في منطقة كفر الجزار المواجهة لمدينة بنها، وكذلك منطقة كفر شكر من الدقهلية إلى القليوبية ... إلخ، في محافظات الصعيد أيضا - قد أدت إلى نشأة 26 محافظة غير متوازنة مساحة وسكانا.
إن الأهداف الأساسية من تغير التركيب الإداري لأقسام مصر من 26 إلى 8 محافظات هي:
أولا:
إيجاد مجالات مساحية وسكانية بالحجم والقدر الذي يمكن من تخطيط إقليمي متلائم مع الظروف البيئية والتاريخية والموارد الاقتصادية للإقليم الواحد. ومثل هذا الوضع يشحذ عملية الاستثمار الداخلي في الإقليم بمساحته وطاقاته البشرية المعقولة في مجالي الإنتاج والتسويق. ويساعد بذلك على افتتاح أعمال في أشكال متعددة من الأنشطة الاقتصادية تخلق فرص عمل جديدة تنمي الدخل الفردي ، ومن ثم زيادة القوة الشرائية وتوسيع الأسواق، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تغذية مرتدة لمزيد من النمو الإقليمي وتقليل فرص الهجرة خارج الإقليم.
والمحافظات الحالية بأحجامها المساحية والسكانية الصغيرة غير جاذبة بالقدر الكافي للاستثمار، ومن ثم تخرج رءوس الأموال الاستثمارية في داخل المحافظة تبحث عن موقع لها في سوق العمل للمدن الكبرى. لهذا تنمو أشكال كثيرة من الأعمال، وبخاصة التجارية والخدمية في القاهرة الكبرى والإسكندرية الكبرى ومدن القناة، بينما تبقى الأعمال في مدن المحافظات على ما هي عليه أو تنمو بإضافات بطيئة.
لو أخذنا مجال الإعلام كنموذج سنرى كيف تترابط موضوعات التنمية في سلسلة من التأثير والتأثر، بحيث يؤدي إنشاء مشروع إلى فتح أبواب تنشط معها وظائف جديدة، وهذه تعود بتغذية راجعة على المشروع فتنميه، وهكذا دواليك. صحيح أن الدولة لم تقصر في مجال التلفاز والإذاعة فأنشأت الكثير من المحطات الإقليمية - هي بمحض الصدفة ثمانية محطات، لكن القاهرة تحتكر ثلاثا منها - فضلا عن المحطات الفضائية. وتجتهد المحطات الإقليمية ألا تكون صورة باهتة لمحطات القاهرة، ولكنها في حالة حسن تمويلها من داخل الإقليم سوف تخلق فرصا للعمل والإجادة، وتشكل أقطابا جيدة للمبدعين من داخل الإقليم في مجالات عديدة نذكر منها التأليف والكتابة الدرامية ومقدمي البرامج الذين يفتحون ندوات مرئية عن الإقليم في كافة النواحي الثقافية والحياة الاقتصادية، وهموم البيروقراطية ومشروعات التنمية البشرية والصناعية والحسن من أشكال الأنشطة والعمل. وهذا هو ما يساعد على تكوين الرأي العام في الإقليم، وظهور قيادات مجتمعية وفكرية. هذا فضلا عن نمو وظائف فنية عديدة في التصوير والإنتاج والإخراج واكتشاف الممثلين ... إلخ.
ومثل هذا تماما في مجال الإرسال الإذاعي الذي يتغلغل أكثر من التلفاز بين الناس. أما الصحف الإقليمية التي تفتقر إليها كثيرا لصغر حجم القراء في المحافظات الحالية، فسوف تنفتح على جمهور أكبر في الإقليم الواحد. وإذا ما ابتعدت جزئيا عن أخبار الرسميات داخل الإقليم فإنها ستكون مجالا طبيا للأخبار المحلية والأنشطة الاقتصادية والتسويقية، وتوعية المنتجين بأنواعهم وتوجيه الاهتمام إلى المشكلات الكثيرة في الإقليم من أول خدمات النقل إلى موضوعات حيوية كتنظيم الأسرة ومواجهة التطرف ... إلخ. والصحافة بهذا الشكل تخلق وظائف جديدة من عامل الطباعة إلى المحرر وصاحب العمود، فضلا عن انتشار مكاتب توزيع الصحف والجرائد في أماكن لم تعرفها إلا لماما.
Неизвестная страница