وفي البداية أحب أن أوضح أن استخدام كلمة «مشكلة» قد تعني أن وضعا متأزما قد حدث، وبالتالي يمكن إيجاد بعض الحلول لتقويم الوضع على منسوب معين في المدى القريب، كما لو أنه حدث طارئ. بينما تعني «إشكالية» استمرارا لمشكلة ما عويصة متشعبة. أما «مسألة» ما فتعني أن هناك موضوعا مستمرا لحالة السكان، سواء كانوا أقل أو أعلى من الموارد المتاحة، وبالتالي يستوجب معالجته على مدى طويل الأمد من جميع أطرافه وتداعياته.
وبهذا التوصيف فإن الموضوع السكاني في مصر هو «مسألة» مزمنة متراكمة وليس «مشكلة» طارئة - هو «إشكالية» وليس «مشكلة». قد تنبه لها المفكرون منذ أمد طويل وتنبه لها السياسيون منذ وقت قصير. ولهذا فإن الكلام عن «طوارئ» وزارة الصحة لمواجهة المشكلة ليست في محل صحيح، فالنمو السكاني وليد عمليات بيولوجية اجتماعية اقتصادية متفاعلة معا يصح إيجازها بأنها «عمليات حياتية» على زمن طويل في أي مجتمع، ولا تعالجه أية إجراءات طارئة بل سياسة طويلة النفس. (3-2) محتوى المسألة السكانية
إن الاهتمام المشدد من جانب الدولة لمشكلة التزايد السكاني قد أعطى لحقيقة واقعة أبعادا تنفيذية من جانب المسئولين. وهذا في حد ذاته أمر جدير بالاعتبار. فالطرح هنا على أنها جزء لا يتجزأ من مساعي الإصلاح والتنمية الحالية والمستقبلية وبدون التصدي لها كما يجب تتعثر أشكال التنمية ومساعي النهضة. ومن ثم أصبح كلام المسئولين واضحا وصريحا عن الحاجة إلى رصد ميزانيات كبيرة على مدى عدة سنوات. على أن هذه الإنفاقات لا يجب أن تخصص فقط للدعوة إلى إنشاء مراكز جديدة لتنظيم الأسرة أو الدعاية التلفازية الناجحة لحث الناس على العقلانية في الإنجاب، بل يجب أن تكون هناك سياسات شاملة لشتى المؤثرات الخدمية والتأسيسية لتنظيم النسل. فدرجة النمو السكاني متعددة الأسباب والجوانب كما نعلم جميعا.
من أمثلة ذلك كيف تخصص الملايين من أجل نشر التعليم بجدية أكثر ومحاربة التسرب من التعليم مع مزيد من التأكيد على تعليم البنات، في مقابل الكف عن النظر إلى الأطفال من الجنسين على أنهم قوة عمل خفية تجلب الرزق لأسرهم؟
وكيف ننفق ملايين أخرى لنشر وتدعيم فكرة أن الأديان لا تحض على الكثرة العددية فقط بل على النواحي النوعية بالأساس، وأن الكثرة الكمية ما هي إلا نوع من أنواع إلقاء المجتمع إلى التهلكة وهو عكس ما تدعو إليه الأديان.
ونحتاج ملايين أخرى لتغيير منظور المجتمع للمرأة على أن دورها الأساسي يكاد يقتصر على كونها أداة للإنجاب، ومن ثم تكاد العاقر أن تعزل عن المجتمع بينما تتمتع الولود - وبخاصة المنجبة للذكور - بقيمة اجتماعية عالية، وإن ظل دورها الاجتماعي في غير ذلك محكوما بقوة مجتمع الذكورة الذي نعيشه!
وإنفاقات أخرى لتحسين وتطوير مناهج التعليم لكي نخرج التخصصات المطلوبة لحياة المجتمع بدلا من تخريج موظفين وكتبة أو حملة شهادات عليا ينضمون إلى فئة العاطلين في ظل ظروف مجتمعنا الحالي. ونحتاج أرصدة أخرى لموضوعات متشعبة لتصحيح موقفنا السكاني.
لقد تأخرنا كثيرا في مواجهة المسألة السكانية بالقدر المطلوب. وسبق أن ذكرت أن أستاذنا الدكتور محمد عوض قد حذر من تنامي سكان مصر منذ 1936 - أي منذ ثلاثة أرباع القرن، وأنه حصل على فتوى من المفتي آنذاك تجيز تنظيم النسل. وهناك مجهودات كثيرة أخرى في هذا المجال لكنها كانت لا تلقى آذانا صاغية، وإن وجدت الآذان لم توجد الوسائل لتنفيذ تنظيم النسل، ولو كنا اجتهدنا منذ ذلك التاريخ لما كانت عندنا اليوم إشكالية عويصة تستدعي من رئيس الدولة التنبيه والإشارة إلى مخاطرها.
هناك خطوط أساسية لمعالجة المسألة السكانية ربما أهمها: (أ)
شكل وتنظيم الهيئة الخاصة بإدارة الموضوع السكاني. (ب)
Неизвестная страница