التغيير هو الصفة الأساسية التي تلازم كرتنا الأرضية؛ فليس هناك شيء دائم على حال واحدة، ولكن سرعة التغيير تختلف من عنصر إلى آخر. فالتغيرات التي أدت إلى تكوين كوكبنا الأرض تقاس بمليارات من السنين وحركات بناء القارات وتكوين البحار تقاس بمئات الملايين من السنين، وكذلك الحال بالنسبة لظهور أشكال الحياة النباتية والحيوانية، أما التغيرات المناخية الكبرى فتقاس بملايين السنين. وأخيرا فإننا نقيس ظهور الإنسان بمئات آلاف السنين، وانتشاره على سطح الأرض بعشرات آلاف السنين. وإذا أردنا أن نقرب ذلك إلى أذهاننا وعقولنا فربما يخدمنا في هذا السناريو التالي كفيلم نرى تتابعه؛ لكنه الحقيقة بعينها في صور خاطفة:
تطور الأرض على مر خمسة مليارات سنة: قارة واحدة تتكسر إلى عدة ألواح تكتونية هي أجزاء من القارات الحالية أضيفت إليها بالتعرية والنحت وحركات أرضية أخرى، كلها غير ثابتة بل متحركة على مقياس عدة مليمترات وسنتيمترات في السنة تراكمت على ملايين السنين لتكون ضغوطا هائلة تنتج السلاسل الجبلية الحالية أحدثها جبال الألب الأوروبية منذ نحو 50-30 مليون سنة. وما زالت الحركات الأرضية مستمرة، ومن مظاهرها المعايشة أحداث الزلازل والبراكين المفجعة، وغيرها من الحركات غير المحسوسة؛ لكنها تقع تحت طائلة الرصد والقياس حسب قدرة أجهزتنا الحالية.
تكسر الصخور بفعل المطر والحرارة وزحف حقول الجليد ونحر البحر، وأشياء أخرى تؤدي إلى تكوين مسطحات من الصخور الإرسابية أشيعها التكوينات الجيرية كالمقطم. إرساب المفتتات يحدث في قاع البحار ثم تحدث عوامل أرضية ترفع الإرسابات فوق منسوب البحار. وبالتالي فإن سطح البحر يتغير على مر الزمن.
الصخور التي نشاهدها على الأرض إما هي باطنية - نارية أو أصلية - كالجرانيت أو متحولة نتيجة الضغوط الهائلة للكتل الأرضية كالشيست أو رسوبية كالصخور الجيرية والرملية. ولكل نوع قيم اقتصادية؛ الصخور الباطنية تحتوي على معظم المعادن الفلزية كالنحاس والحديد والذهب، أما الصخور الرسوبية فهي على الأرجح مكامن معادن الطاقة كالفحم والبترول والغاز الأرضي.
الأنهار تفتت الصخور وتبني أودية ذات تربة صالحة للاستقرار وممارسة الزراعة. أحسن أنواع التربة هي ما اشتقت من الصخور البركانية كوادي النيل والدلتا، أو على سفوح البراكين الخامدة أو النشطة برغم مخاطرها.
عناصر المناخ الأساسية مشتقة من الغلاف الجوي الذي يلف الأرض ويتأثر بالحرارة الشمسية، التي تؤدي إلى الحرارة والتبخر والتكاثف وتساقط المطر والثلوج بنظام محدد على سطح الأرض؛ لكنه يتغير بين فترات زمنية متفاوتة الزمن ناجمة عن تغيرات عديدة، ربما منها تغير توجه محور الكرة الأرضية إلى غير ما هو عليه توجهها الآن إلى نجم القطب الشمالي، أو نتيجة ازدياد النشاط البركاني والزلزالي المصاحب لتكوين القارات، وما يحدثه من مليارات أطنان الغبار في الغلاف الجوي؛ مما يؤثر على الحرارة مددا طويلة أو قصيرة، أو تحرك الألواح التكتونية المتعددة أو نتيجة إصابة الأرض باصطدام نيازك ضخمة ومكونات صخرية فضائية أخرى ... وهو ما يترتب عليه أن يتحمل الغلاف الجوي بأتربة وغازات كثيفة لعدة مئات أو آلاف السنين تلف العالم وتقلل اختراق أشعة الشمس إلى سطح الأرض، مؤديا إلى تغيرات جسيمة في الأقاليم المناخية. وحسب طول وقوة المتغيرات قد يبيد شكل من أشكال الحياة كما حدث للديناصورات وهلاكها منذ نحو 60 مليونا من السنين. ومنذ بضع عشرات آلاف السنين استقرت الأوضاع المناخية على أشكال أساسية نجم عنها الأقاليم المناخية المعتدلة في العروض الوسطى والمتطرفة البرودة في المناطق القطبية والمرتفعة حراريا في المناطق الاستوائية والمدارية الصحراوية - أي مقدمات المناخ الحالي لكرتنا الأرضية.
المناخ الحالي ربما يعود إلى نحو 30 ألف سنة، والمناخات الأقدم تراوحت بين عصور جليدية ممطرة وعصور حارة جافة أو ممطرة لمئات وعشرات آلاف السنين. وفي خلال مئات ملايين السنين تغيرت وتطورت وانقرضت أشكال الحياة النباتية والحيوانية من الأمفيبيات والأسماك إلى السحالي الضخمة - الديناصورات - وإلى الحيوانات الثديية ثم الرئيسيات في الملايين الخمسة الماضية ، وآخرها الإنسان في مقدماته ومتاهات تفريعاته خلال المليونين الأخيرين، والإنسان العاقل منذ نحو بضع عشرات آلاف سنة؛ فأصبح على قمة الهرم الإيكولوجي للحياة بابتكارات كثيرة أهمها اللغة - الكتابة تعود إلى 5 أو 6 آلاف سنة فقط؛ بينما صحبت لغة الصوتيات الإنسان منذ ظهوره على الأرض، وتطورت تدريجيا إلى مقاطع وكلمات - واستخدام الآلة من الحجارة والأخشاب ثم المعادن - نحو خمسة آلاف سنة - واكتشاف الزراعة - نحو عشرة آلاف سنة - بدلا من الصيد وجمع الثمار والحبوب البرية، واستخدام الطاقة الميكانيكية بدلا من الطاقة الجسدية للحيوان وطاقة الرياح لتحريك السفن، واكتشاف كل أشكال الطاقة المستخدمة حاليا ومستقبليا.
كثرة استخدام الوقود الحفري والغازات في عصر الصناعة أدى إلى إشكاليات مناخية معاصرة على رأسها الأمطار الحمضية وثقب الأوزون وتدمير رئات العالم الغابية، وكلها عوامل تؤدي إلى التأكيد بأن الإنسان يقود المناخ إلى عصر احتباس حراري؛ مما يؤدي إلى كوارث بيئية تصيب أسس الحياة المعاصرة من الإنسان والحيوان والنبات ما لم يتداركها قبل فوات الأوان! (1-2) الإنسان وتغيير البيئة
إن النظام البشري يبدو وكأنه ميدان صراع يتنافس فيه اتجاهات وطبائع البشر:
حاول الإنسان الصانع دائما وأبدا أن يحول الشيء النادر الوجود إلى اعتيادي الوجود، وهو في المجتمع المعاصر يسعى لتحويل المحتوى إلى الشكل والعقلانية إلى روتين والفن إلى تقنية.
Неизвестная страница